تمثل الزكاة كركن من اركان الاسلام الخمسة دوراً عظيماً في تنمية المجتمع، وفي القضاء على الكثير من مشكلات الافراد والجماعات، بل يتجاوز ذلك الى حل مشاكل الدول وإغاثة المنكوبين من ابناء المسلمين في انحاء العالم.
أوضح ذلك فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن غانم السدلان خلال لقاء ل«الجزيرة» معه، اجاب خلاله على العديد من التساؤلات التي طرحناها عليه حول الزكاة وفيما يلي نص اللقاء:
* تشريع الزكاة في الاسلام هو اول تشريع يكفل حق الانسان في مستوى حياة يليق به، مهما كانت قدرته ضعيفة او معدومة فكيف عالجت الزكاة في مصارفها الشرعية أوجه الضعف التي تلحق بالانسان في حياته؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه اجمعين اما بعد انه لا يخفى على مسلم وبخاصة ذلك المسلم المتمرس في احكام الشريعة وحكمها، ما للزكاة من دور عظيم في التنمية وفي القضاء على الكثير من مشكلات الاسر والافراد والجماعات، بل يتجاوز ذلك الى حل مشاكل الدول والى رفع علم الجهاد، والى اغاثة المنكوبين في كل مكان من المسلمين، فالزكاة شرعها الله جل وعلا من بين احكام كثيرة وعظيمة في مجال التكافل الاجتماعي والتعاون والتراحم بين طبقة الاغنياء وطبقة الفقراء والمحتاجين لأن الزكاة تقضي على ما يجد الفقير في نفسه على صاحب المال حين ينظر الى امواله والى عقاره والى ممتلكاته الواسعة، والزكاة تزيل ما في نفوس الفقراء من الانكسار والذلة والشعور بأنهم محرومون وان اصحاب الاموال لهم السيطرة ولهم النفوذ ولهم كل شيء، الى جانب ان المؤمن ايمانه بالله سبحانه وتعالى الذي يسبق ذلك كله، يجعل كل فرد من افراد الامة الاسلامية راضياً بما قسمه الله له، فالغني راض بغناه والفقير راض بما قدر الله له، ولكن الزكاة تعالج مشكلات الفقراء والمساكين والمنكوبين، وتقوم ايضاً بتشجيع المصلحين الذين يسعون في الاصلاح وفي القضاء على المشاكل وفي حل القضايا المعقدة سواء بين القبائل او بين الافراد، كما انها تحل مشكلات عديدة فيما يتعلق بالمنقطع بهم في اسفارهم والارامل والايتام وكذلك تساعد المجاهدين في سبيل الله الذين لا يستطيعون المشاركة في الجهاد.. الزكاة تحل هذا الجانب، يقول الله جل وعلا مبيناً اصنافا ثمانية تعالج الزكاة امورهم وقضاياهم {(إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ) }
* تعتمد الدول في الزمن الحاضر على الضرائب والتكاليف المالية في سد حاجات طوائف الضعفاء من الناس بينما يعتمد الاسلام اساساً وسيلة الزكاة فما هي اوجه التميز في الزكاة عن الضريبة؟
تتميز الزكاة عن الضريبة في عدة امور:
أولاً: الزكاة ركن من اركان الاسلام ويعتقد المسلم انه حين يباشر الزكاة ويؤديها ويصرفها لمستحقيها انه يقوم بركن من اركان الاسلام افترضه الله عليه.
الثاني: ان الزكاة يؤديها الغني بدافع من الايمان وخوف الله جل وعلا ورجاء ثوابه وخوف عقابه.
اما الامر الثالث فهو ان الزكاة يؤديها المسلم وهو يعتقد ان له ثوابا يجده عند الله جل وعلا اذا رحل من هذه الدنيا فانه سيجد ثواب الزكاة. يقول الله جل وعلا: { (وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) } ويقول عز وجل { )وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) }.
الفرق الرابع بين الزكاة والضريبة ان الزكاة يؤديها الانسان سمحة بها نفسه منشرحاً صدره لأنه يعتقد ان هذا جزء من دينه وجزء من عقيدته بخلاف الضريبة فانها التي تخالف الزكاة في كل الامور الاربعة التي تقدمت.
والزكاة ليست هي وحدها في الميدان لحل مشكلات الفقراء والمساكين والمعوذين وغيرهم، بل هناك امور عديدة كثيرة بجانب الزكاة تعالج حاجة هؤلاء.
* بعض الناس يظن ان الزكاة شأن خاص مع ان جمع الزكاة وتوزيعها على مصارفها يعد شأناً من شؤون الدولة، فما هي مظاهر ذلك في تشريع الزكاة؟
هذا سؤال مهم جداً.. الحقيقة ان الزكاة الاصل فيها انها مفروضة على الفرد الذي اعطاه الله مالاً ووجد فيه الزكاة.. انه يباشر صرفها ونقلها الى اي مصرف من مصارفها ولكن حين يكون هناك تنظيم من قبل الدولة فانه يجب ان يتعين على جميع اصحاب الاموال ان يسلموا زكاتهم الى ولي الامر والمحسن الذي نظم الزكاة ووضع بنوداً، وهيأها ليرسلها الى مستحقيها.
والزكاة اذن في هذه الحال تحتاج الى ادارتين كبيرتين الاولى ادارة الجباية، والثانية ادارة الصرف وعندنا في المملكة هناك ادارة جباية الزكاة والمصارف ايضاً معروفة منها الضمان الاجتماعي ومنها غيره ليظهر لنا الزكاة - حسب علمي - أنها تجبى عن طريق مصلحة الزكاة والدخل بواسطة الغرف التجارية وتسلَّم بعد ان يزاد عليها الى الضمان الاجتماعي وهذا حد معرفتي بهذا الموضوع، وهذه خطوة جيدة، ادعو جميع المسلمين وبخاصة الذين عندهم زكوات كبيرة وقد منَّ الله عليهم بأموال ان يجتهدوا بتسليم اموالهم الى مصلحة الزكاة والدخل مع انه بحمد الله تعالى نجد ان الدولة تترك فرصة للاغنياء ليتولوا شيئاً من زكواتهم، وفي كلا الامرين خير والحمدلله.
* زكاة الفطر تعد رافداً من روافد رعاية الفقراء والمحتاجين، فما الفروق بينها وبين زكاة المال من حيث الملزم بها والمستحق لها ومن حيث توقيت أدائها؟
لا شك ان احكام زكاة الفطر تختلف عن احكام زكاة المال ولكل منها شروط وضوابط، فزكاة المال تجب على كل مسلم حر يملك نصاباً من المال الزكوي ويكون هذا المال مستقراً ويحول عليه الحول، اما زكاة الفطر فانها تجب على كل مسلم ومسلمة وكل حر وعبد وصغير وكبير، حتى الجنين استحبها بعض اهل العلم عنه.
وهي تجب على من يملك زائداً عن قوت يومه وليلته، فانه يقدمه لزكاة فطره اما ان كان لا يملك قوت يوم العيد وليلة العيد فانه تسقط عنه الزكاة وهذا نادر جداً بحمد الله، فقليل من لا يجد قوت يومه وليله فأقل الناس يجد ذلك ويخرج بالتالي زكاة الفطر. وعلى كل حال اذا لم يجد هذا لا تجب عليه، وزكاة الفطر ايضاً وقتها محدود فهي تجب على كل من كان موجودا عند غروب الشمس في آخر يوم من رمضان والذي لا يوجد الا بعد غروب الشمس لا زكاة عليه والذي عتق من العبيد بعد غروب الشمس لا زكاة عليه لأنه وقت الوجوب غير مكلف وكذلك فاقد التكليف عافانا الله واياكم مثل المجنون طيلة رمضان فلم يصم ولم يصل ولكنه افاق بعد غروب الشمس من ليلة العيد فإنه لا تجب عليه الزكاة لأنه لم يكن من اهل وجوبها وقت غروب الشمس.
زكاة الفطر تؤخر الى آخر شهر رمضان بمعنى انها لا تدفع الا قبل العيد بيوم او يومين وهناك وقت لوجوب اخراجها ووقت للجواز، ووقت الفضيلة فأما الجواز فيجوز قبل العيد بيوم او يومين ووقت الفضيلة بعد صلاة الفجر من يوم العيد قبل ان يذهب الى المصلى اي بعد صلاة الفجر وقبل صلاة العيد وهذا افضل اوقاتها للاخراج، أما وقت الوجوب فهو من كان موجودا في شهر رمضان الى غروب الشمس من يوم العيد فمن وجد او كلف بعد ذلك كما تقدم اول مثلا ولد بعد ذلك اي بعد غروب الشمس من آخر يوم من رمضان فلا زكاة عليه.
|