عندما تقوم بخدمة البعض يشكرونك بعنف، وعندما تكرر لهم نفس الخدمة يشكرونك بدون عنف، ثم تتوالى وتتكرر خدماتك فيشكرونك ببرود، وتستمر تخدمهم وتخدمهم فيتجاهلونك، فتحاول بذل المزيد من الجهد في خدمتهم لاسترجاع عبارات الشكر والتقدير التي كنت تتلقاها منهم نظير خدماتك المجانية.. ويستمرون في تجاهلهم.. ويجرؤون عليك، ويعتقدون ان الخدمات التي تقدمها لهم واجب عليك إن قصرت في أدائه تستحق العقاب.
شجرة البؤس هي عنوان إحدى روائع الأديب الراحل الدكتور طه حسين، استشهد منها ب (جلنار) تلك الفتاة البائسة التي كُتب عليها أن تكون قبيحة الوجه دميمة الصورة.. كان إخوتها يتجاهلونها ويسخرون منها.. فبدأت تخدمهم لتلفت انتباههم واهتمامهم.. وبالفعل بدءوا يشكرونها على خدماتها التطوعية ويثنون عليها، ويوما بعد يوم تحولت الخدمات التي تتفضل وتتكرم بها جلنار عليهم إلى واجب إن تأخرت فيه يحل عليها سخطهم.
يقول الدكتور طه حسين:
«وقد كانت جلنار فتاة الأسرة، وكان فيها جلد وقوة ونشاط وحب للعمل وسبق إليه، فما أسرع ما ألفت الأسرة منها ذلك ورأته عليها حقا، ثم رأت تقصيرها فيه ذنبا، فاندفعت الفتاة إلى العمل، ثم دُفعت إليه..»
تذكرتُ «جلنار» بعدما قرأت الطرح الرائع الذي قدمه الأخ الاستاذ ياسر المجاهد في هذه الصحيفة الموقرة تحت عنوان «وجبة من القش» والذي كان يروي قصة سيدة أوروبية تقوم بإعداد ألذ وأشهى الأطعمة لبعلها وأبنائها، ولا يقدرون لها ذلك، فلا شكر ولا تعبيرات مُشجعة، فما كان من تلك الشقية إلا أن قدمت لهم في إحدى الوجبات إناء مغطى، فلما فتحوه وجدوا بداخله قشاً (تبناً وانتم بكرامة)، فأدركوا قيمة خدماتها..
في حياتنا أناس مُتطوعون ومُخلصون يتفضلون علينا بخدمات جليلة وللأسف يلقون منا الجحود والنكران.. وما المجهود الذي سنبذله في عبارات الشكر والثناء بشيء أمام الخدمات المجانية التي يقدمونها لنا، فشكراً شكراً شكراً لهم.. وجزاهم الله عنا خير الجزاء.
|