كثيراً ما يراودني إحساس بأن البشر الذين تحويهم ضفتا كتاب (جينيس) للأرقام الخارقة وهم مجموعة من الحمقى والمتطرفين الذين يحاولون أن يتركوا بصمة في هذا الهدير الكوني الهائل، وإلا ما معنى أن أدخل ذلك الكتاب عبر التهام أكبر كمية من الفلفل، أو عبر المشي على سلك معدني ممدود فوق شلالات نياجرا.
لكن كما يبدو أن الميل إلى التميز هو ميل فطري عميق يرضي الأنا المتفخمة التي لا تنفك تبحث لها عن هوية خاصة.
وبالتأكيد هذا الموضوع هو الذي يأخذ أشكاله لدينا من خلال أرقام الهواتف والسيارات التي يسمونها مميزة، ولعل الإعلانات التي نشهدها في الصحف تشير لنا أن هناك ظاهرة لا أستطيع أن أقول طريفة أو عجيبة لكنها تستحق التأمل، وإلا فما معنى أن يتحول الموضوع الى ظاهرة للتمايز، أذكر أن إحدى قريباتي الصغيرات كانت ترفض الحصول على رقم جوال عادي (أي ليس هناك تميز في أرقامه) قالت لن أحصل على رقم كالخريطة؟!
وكما تباع الناقة والبكرة في زمن المكوكات الفضائية بملايين الريالات، فالأرقام لها المساحة نفسها من هذه السوق العجيبة التي لا نراها إلا في سوقنا الشرهة القادرة على تسليع وتحويل أي من الأمور إلى سلعة قابلة للعرض والطلب، سوق هائلة تبتلع أي شيء. أنا من الممكن أن أتفهم مراهقاً يلبس ملابس عجيبة لإثبات شخصية ما برحت طرية وفي طور التشكُّل، من الممكن أن أتفهم فتاة تحاول أن تأخذ لها نمطا مميزا في الحديث وعجن الألفاظ لتحصل على بصمة، لكن قضية الأرقام المتميزة للسيارات ما برحت تذكِّرني بكتاب (جينيس) المحشو بمجموعة من الحمقى والمأفونين، وهناك حكاية تروى عن الخليفة المأمون حيث حضر إلى بلاطه أحد الحواة وقدم عرضا أبرز فيه مهارته في رمي إبرة ومن ثم إبرة أخرى لتدخل في فتحة السابقة وهكذا إلى أن وصل عدد الأبر إلى مائة إبرة، عندها أمر الخليفة المأمون بمكافأته بمائة دينار، ومن ثم جلده مائة جلدة لإضاعته وقته فيما لا ينفع، ألا ترون معي بأن المضاع في قضية الأرقام المتميزة كثير وليس الوقت فقط، بل أشياء عدة قد يكون أولها العقل.
|