Sunday 2nd november,200311357العددالأحد 7 ,رمضان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

شيى من شيى من
رؤية الهلال.. ومأزق المسلمين مع التكنولوجيا!!
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

تغير الزمان والمكان هو تغيرٌ لابد ان يُلقي بتأثيره على الفتوى، هذا ما تنبه إليه الإمام الشافعي رحمه الله قبل أكثر من ألف عام. ولا يُمكن بحال من الأحوال ان لا نأخذ ذلك بعين الاعتبار في تعاملنا مع بعض القضايا، وبالذات فيما يتعلق بدخول شهر رمضان الكريم، الذي مازال كثير من علمائنا يصرون على رؤيته بالعين المجردة لاثبات دخوله أو خروجه، تماماً كما كان عليه العمل زمن تشريع صيام هذا الشهر في حياته صلى الله عليه وسلم، رغم ان العلم الحديث لديه الآن من الوسائل قطعية الدلالة، والتي يُمكنُ بها اثبات دخول أو خروج هذا الشهر دون ان نلجأ إلى الرؤية المجردة.
وفي تقديري ان هذه إحدى المشاهد التي تُظهر بجلاء أزمتنا في التعامل مع التكنولوجيا، التي هي في الواقع أزمة لا تنحصر في رؤية الهلال فحسب، وإنما تتعداها إلى كثير من الأمور. هذه الأزمة واجهها سلفنا مثلما نواجهها الآن. وما زلنا نتذكر كيف ان أسلافنا القريبين «جداً» أقاموا الدنيا ولم يُقعدوها عندما سمح الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه بالبرقية كوسيلة اتصال تكنولوجية. فقد جاء في كتاب «لسراة الليل هتف الصباح» لمعالي الشيخ عبدالعزيز التويجري، ان علماءنا آنذاك افتوا بعدم جواز البرقية. وقد أوردَ معاليه في ص273 من كتابه آنف الذكر نص الفتوى التي تقول: «وأما وضع البرقيات في الرياض وغيرها من قرى نجد، وما يترتب على ذلك، فلا نراه جائزاً ولا نفتي به ونبرأ إلى الله من الافتاء بشيء يترتب عليه المفاسد»!. وليس لدي أدنى شك في ان الزمن كفيلٌ بتغيير موقفهم من رفض اعتماد المراصد الفلكية في رؤية الهلال تماما مثلما تغير موقفهم من البرقية التي كانوا يرفضونها.
ولعل موقفهم من التكنولوجيا، أو كما عُربت: التقنية، ناتج عن كونها علماً حديثاً في نظرهم. والإنسان السعودي بطبعه يتوجس خيفة من كل ما هو جديد، فيقابله في البدء بالرفض، حتى يأمن أخطاره وسلبياته، ليقبله في النهاية. غير ان «التكنولوجيا» في حقيقة الأمر ليست جديدة، ولا هي من منتجات عصرنا الحاضر كما يتوهم البعض. فالتكنولوجيا هي ببساطة «أية وسيلة تساعد الإنسان في عمله». ومنذ أقدم العصور والإنسان يتعامل مع التكنولوجيا، فعندما أخذ قطعة من الحجر، وربطها في قطعة خشبية من فروع الشجر وصنع فأساً، كان يُمارس في الواقع ضرباً من ضروب التقنية. وعندما توصل إلى اشعال النار واستخدمها في الطبخ والتدفئة، كان أيضاً يُمارس التكنولوجيا. واختراع «العجلة» لتيسير عملية التنقل كان في عصره ثورة تكنولوجية. إذن، فإن كل ما يمكن ان يستعين به الإنسان للقيام بأعماله بالإضافة إلى أعضائه فهو تكنولوجيا. وهذا في رأيي ما يجعل «التقنية» في أحيان كثيرة ترتفعُ في وجوبيتها إلى مستوى القاعدة الأصولية التي تقول: «ما لا يتم الواجبُ إلا به فهو واجب». ولعل في ذلك ما يسوغ لنا القول ان استخدام التكنولوجيا في تحري دخول شهر رمضان ليسَ مباحاً فحسب، وإنما هو واجب لأن «كل ما يتم الواجبُ إلا به فهو واجب».ونحنُ عندما نصر على الرؤية المجردة، ونرفض الوسائل العصرية كالمراصد الفلكية ونحوها، فإننا ننزلقُ إلى مزالق كثيرة في إباحة وتحريم الوسيلة التكنولوجية في العبادات. فالحج مثلاً على نفس القاعدة يجبُ ان يكون إذن على الجمال والخيل والبغال والحمير مثلما كان السلف يفعلون، كما ان المياه الممتوحة من الآبار بالمضخات لا بالدلاء لا تصلحُ للوضوء تطبيقاً لنفس القاعدة، غير ان الجمال وسائل للتنقل مثلما ان السيارات والطائرات هي وسائل تكنولوجية للتنقل، وكذلك المضخات مقارنة بالدلاء. وعلى ذلك، وبالقياس نفسه، يكون توظيف المراصد الفلكية والمناظير والآلات التكنولوجية التي تؤكدُ دخول الشهر القمري من عدمه هو في حكم جواز الطائرات والسيارات «كوسيلة» لشد الرحال إلى بيوت الله لأداء فريضة الحج، مثلما ان الماء المستخرج بالوسائل التكنولوجية يصلح ان يكون وضوءً للصلاة.

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved