الذين يقومون بدراسة موضوع السد العالي على ضوء الحقائق والأرقام الفنية والعلمية والزراعية والهندسية والكيميائية يتوقعون أن يثير هذا الموضوع في القريب العاجل أعظم فضيحة فنية دولية عرفها التاريخ.
ويتوقع الذين يتابعون هذه القضية عن كثب أن تنشأ عنها مضاعفات كبيرة على الصعيد الدولي لأنها ستكون أول مثال على أن الدول الكبرى لا تتورع في سبيل مصالحها التوسعية، وأطماعها السياسية والمالية والاقتصادية عن أن تلعب أسوأ الادوار، وان تورط الدول الصغيرة أو الفقيرة في أسوأ المشاريع وأكثرها كلفة وأقلها فائدة، أو مردود في سبيل ما تطمع في تحققه من أغراضها، أو ما تتطلع إليه من أطماعها وأهدافها..!!
واذا كانت التفاصيل التي سجلت على لسان أحد الأمريكيين مسوؤلية الدولتين الكبيرتين روسيا السوفياتية والولايات المتحدة، وكذلك ألمانيا الغربية فيما ارتكب من أخطاء فنية وزراعية ومادية في بناء السد العالي، فان من الحق أن يقال في الوقت ذاته أن مصر الشقيقة لم تعدم من الخبراء الفنيين المصريين من نبهوا الحكومة المصرية إلى هذه الاخطاء ومن حثوها بالاستناد إليها على عدم تنفيذ المشروع.
ففي أوائل عام 1960م تقدم العالم الهيدرولجي المصري المعروف الدكتور عبدالعزيز أحمد بتقريره إلى مؤسسة الهندسة المدنية في لندن حذر فيه من أن فكرة السد هي «فكرة غريبة عن مصر وهي صورة مقلوبة لسياسة الري التي شرفها نهر النيل على مدى الازمان» وأضاف« ان بناء السد خطوة حكيمة كما أنه مجازفة»! غير أن هذا العالم المصري ما كاد يصل إلى القاهرة عائدا من لندن حتى طرد من وظيفته من قبل فريق المسؤولين الذين اهتموا بمعاقبة الدكتور أحمد ولكنهم مع الأسف لم يهتموا اطلاقا بما حذرهم منه.
وكل ما توقعه العالم المصري آنئذ ورد الآن في التقارير التي انتقدت انشاء السد بعد تنفيذه، فقد اشار في كتابه إلى مؤسسة الهندسة المدنية في لندن إلى النقاط التالية:
1 - ان اقامة سد بدون بوابات للتصريف سيحبس سنوياً 134 مليون طن من طمي النيل الذي يشتمل على مواد بركانية من طبيعتها ان تنشء أخصب تربة على وجه الأرض. ولما كانت جميع الاراضي الزراعية في مصر تتغذى من هذا الطمي الذي لا يعرف لخصائصه بديل من الناحية الفنية لذلك فإن حرمان التربة منه سيكون بمثابة توجيه أقسى ضربة إلى قلب الزراعة المصرية.
2 - ان المياه المتحررة من الطمي ستأكل مجرى النهر وأطرافه مقوضة بذلك كل حواجز الجسور والسدود القائمة على مسافة ستمائة ميل من أسوان حتى البحر.
3 - ان التبخرات المائية من جهة، والتغييرات في التسربات المائية ستؤدي إلى خسائر مائية في البحيرة التي ستقوم وراء السد العالي إلى درجة ان هذا المشروع سينهي بمصر بكل تأكيد إلى مياه أقل مما كانت تحصل عليه قبل إنشاء السد..!
هذه هي النقاط الثلاثة التي وردت في تقرير العالم الهيدرولوجي المصري، وهذه النقاط وان لم تشتمل على جميع ما ورد في التقارير التي كتبت عن المشروع بعد انجازه إلا انها لم تسقط من أي من هذه التقارير..! ولو أن مصر الثورة كانت تهتم بتقارير خبرائها في داخل البلاد أكثر من اهتمامها بتقارير السوفيات لما ارتكبت من أجل المصالح السوفياتية خطأ حملها وسيحملها على دفع المليارات من الدولارات في سبيل ما يقول ا لخبراء انه «أحداث نقصاً كبيراً في ثروة مصر المائية..!».
«عن الحياة»
|