يا ابن أخي..
مدحتني من غير قصد، فلك الشكر، وذممتني عامداً متوفزاً فليس عليك، مني، بأس ولا حرج. وأنت تعلم أنك، منذ سنين كثر، تلقي لي الأذى تلو الأذى، وترميني بالباقعة بعد أختها، فلم أحرك ساكناً، بل تفهمت ما آلت اليه حالك، وأدركت ما امتلأت به نفسك، فرأيت ان الحلم سنة العقلاء، والعفو شيمة النبلاء والقادرين. ولطالما تمنيت أن يفتح الله عليك، في الصحافة، فتحاً مهنياً، يعيد الى نفسك طمأنينتها، وتسترجع، ما فقدته، من وهجها وتألقها، لكنني أريد وأنت تريد، والله يفعل ما يريد..
يا ابن أخي..
غفر الله لك، وتجاوز عن خطاياك في حقي، فوالله ما حملت لك يوماً، ضغينة أو حقداً، وإنما جمعنا اسم مشترك، في ظاهره دون أصوله، فلما حككت اسمي باسمك، شاء الله أن يكون في ذلك، صقلا لنصلي، وبرقاً في حركته، وثلمة في نصلك، وانطفاء في لمعانه. فما أفعل في قدر الله، وهو الماضي في خلقه وكونه؟
واعلم، ابن أخي، أن الكتابة هي الأصل وليس الاسم، لأن الكتابة تختلف عن الأسماء التجارية التي يفوز بها من سبق إليها. ثم أن الأسماء لم تكن يوماً حكراً على أحد. ولو أنك عددت الذين يحملون اسم «محمد بن عبدالله» لوجدتهم عشرات الملايين، فهل يُعد ذلك سرقة واعتداء واستلاباً؟.
ولو أنك، متعك الله بالراحة، نظرت في دليل الهاتف لوجدت أن في مدينة الرياض وحدها نحو عشرين شخصاً يحملون اسما مركبا «جاسر الجاسر» فهل تحظر على أي منهم أن يصبح كاتباً أو مذيعاً أو ممثلاً؟ وهل ستعترض على الدولة لو أنها اختارت أحدهم وزيراً أو سفيراً أو عضو مجلس الشورى، باعتبار أن الاسم حكر عليك وحدك دون بقية الخلق، وأنه لا يجوز لأحد من البشر أن يتسمى به من غير إذن منك، أو صلة نسب بك؟!.
وأعلمك أن «الحماية الفكرية» لا علاقة لها بأسماء الناس، فهلاّ اعتنيت بدرسك وأحسنت قراءتك لئلا تقع في الحرج، إذ يحسن الظن بمثلك من الذين يتوافرون على «خمسة وثلاثين عاما من العمل الصحفي»! ثم إن عدم معرفتك بوجود شخص اسمه الحقيقي جاسر الجاسر، سواء «كذا في الأصل» أبناء عمومتي الذين أعرفهم جميعاً حتى في أصواتهم، هو دليل إدانة لا دليل اثبات، فلعلك توسع معرفتك، وتحفظ قلمك عن أخطاء لا تليق بك، حسب ظني!.
وإني أرجو أن يكون في هذا الابتلاء امتحان لصبرك، وإشعالٌ لقريحتك، ولعلك تنصرف الى احسان عملك وتجويده، فتمنح اسمك وهجا لم يحظ به من قبل، خصوصاً أن السياسة، وهي الشؤون التي يقال أنك تدير رحاها في جريدة «الجزيرة» منذ أكثر من عشرين عاماً هي المجال الأوفر نشاطاً، هذه الأيام، والأوسع ميداناً، والأكثر تغيراً وتبدلاً، حتى إنها أغرتني، وكنت ربيب الثقافة والصحافة الأصلية في مداراتها الاجتماعية والانسانية، أن أدلف الى محرابها. وكان هدفي من ذلك، أن أهبك، طوعاً ووداً، ما أحظى به من وهج في السياسة شريطة أن أحفظ مسيرتي في بقية مجالات الصحافة، من مضار الشراكة في الاسم. فلماذا لم تكن شاكراً، ولفعلي ممتناً مع أنك كنت الرابح في هذه الصفقة منذ أن كتبتُ مقال «صلعتي أنعم من خد شريهان» في مجلة اليمامة أوائل التسعينات وحتى هذه اللحظة؟.
يا ابن أخي..
كنت أتمنى لو أنك كنت أكثر حكمة وروية وتدقيقا في مصادر معلوماتك. وهو الأمر الذي يتطلبه عملك لما فيه من حساسية، ولما يقوم عليه من دقة في المعلومة، وإن افتقدها في التحليل والرأي.
لقد اتهمتني ظلماً، وألحقت بي وبمحطة «إم.بي.سي» بأننا سرقنا اسمك ومسمى منصبك. بل إننا تآمرنا، ثلاث مرات، على تكرار ذلك الفعل المشين. وصورتنا وكأننا من مهربي الآثار، أو لصوص الكنوز الوطنية!.
أقول لك، أقر الله عينك، أني ألفتُ منك هذا المسلك واعتدتُ عليه منذ مشاركاتي في صفحات «عزيزتي الجزيرة» حتى إني لم أعد آبهاً له. ولطالما رويت لي، بلذة خفية، بعض القصص الناشئة عن هذا اللبس في الاسم، إذ كنت تسعد بالمديح وتحتفظ به، وتستاء من النقد وتحيله اليَّ. وكثيراً ما يندهش الملتبسون عندما يكتشفون ان الجامع الوحيد بين الشخصين هو شرف التماثل في الاسم!.
لكن الأمر الذي لا أرضاه منك، ولم أكن توقع صدوره منك، هو توهمك البالغ حد اليقين، أنني ومحطة «إم.بي.سي» سرقنا مسمى وظيفتك، فهذا خطل ليس بعده خطل. وتمنيت لو أنك ترويت قليلاً لتعرف أنك واهم كل الوهم، فالأشرطة موجودة وبالامكان التحقق منها.
ثم اعلم، رزقك الله الثبات والحكمة، أنه ليس في مسمى وظيفتك أي مطمع لأي مبتدئ فكيف بشخص يراك كابنه، حتى وإن كان عمرك «المهني أكبر من عمري الشخصي»؟ ثم ما هذا المسمى الذي عجزت أن تمنحه الحصانة المهنية، وتكسبه الصلابة الاحترافية كل هذه السنوات حتى يأتي غلام غر فيستلبه في غمضة عين؟ ولماذا لم تكن في يوم من الأيام، صوتاً سياسياً بارزاً يؤخذ برأيه في الملمات، ويعتمد على طروحاته في فهم الأحداث السياسية المتتابعة؟ ولماذا لم يصدر لك حتى هذه اللحظة كتاب مميز، أو على الأقل، بحث سياسي معمق؟.
يا ابن أخي، اعلم حماك الله من نفسك، أن السكونية كانت لك حماية، وأن صمتك كان حكمة، أما وقد نطقت فلقد اخترت أن تهدم ربع قرن من الوهم الجميل، وأذنت لأبي حنيفة أن يفك حبوته، ويمد ما كان مطوياً!.
لقد اكتسبت شرعيتك من الثبات والصمت، كل هذه السنوات، حتى ظنك الناس جزءاً من تصميم الجريدة، وليس أحد فاعليها ومبدعيها. ولعلك أول صحفي حظي بهذا المجد الفريد من نوعه. فلم تفسد على نفسك ما رزقت به من حضور لم تقرر شأنه، ولم تختر مساره، ولم تصنع أياً من تفاصيله؟ تقول في مقالك، رعاك الله، أن «السعي وراء الشهرة الزائفة تدفع البعض الى التشبه بالكبار ليس فقط بتسمية أنفسهم بأسمائهم، بل إن بعضهم يجرون العمليات الجراحية حتى يصبحوا أكثر شبهاً بالذي يحاولون التشبه به».
ويعلم الله، أنني لا أسعى الى شهرة زائفة لأنني لا أحتاج اليها أصلاً، ولن أتشبه بك لأنه عمل غير شرعي فضلا عما فيه من سوء الذوق.
أخيراً، أنصحك، يا ابن أخي، أن تقتل ادعاءاتي بالأعمال المتميزة وليس بالادعاءات والتهم والشتائم، ولعلك تعرف ان الكتابة تصنع وهج الاسم وليس العكس، أو على الأقل هذا ما أعرفه وما تحققت منه، وأنت معي في ذلك عبر الاتصالات التي كانت ترد اليك في حالات الخلط بين الاسمين. فاجعل الكتابة نصب عينيك، وانهل من القراءة ما استطعت، وابدع في مجالك، وحينها لن تجد أحداً يجهل هويتك، أو ينكر قدرك وقيمتك. أما أن أتلف مسيرة، أظنها مهنية وجيدة، تمتد من «الجزيرة» ذاتها الى «اليمامة» و«الشرق الأوسط» و«المجلة» و«الرجل» و«الحياة» و«الوطن». فهيهات أن أفعل ذلك.
ويبقى الخيار الوحيد إن لم تستطع تغيير وضعك، أن تعتزل الكتابة، فينحل الإشكال تلقائياً، ولك في هيكل أسوة حسنة!.
جاسر الجاسر
|