Saturday 1st november,2003 11356العدد السبت 6 ,رمضان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

طريق الألف ميل يبدأ دائماً بخطوة طريق الألف ميل يبدأ دائماً بخطوة
عبدالعزيز السماري

من المؤكد أن الوطن العربي يمر بمرحلة مختلفة عن جميع الفترات السابقة التي مر بها، شيء ما يتغير بهدوء، وأشياء أخرى ربما أنها تنتظر الظهور في المستقبل، واعترف أنني لست في موقع الباحث في خلفية الأجواء التي نمر بها، ولا أدري كيف سيقرأ اختلافها علماء الاجتماع، لكن من المفترض أن نتحرى ما يحدث للمجتمع من تطور وحركة بشرية، ونحاول استثمار هذا النشاط الاجتماعي في الطريق الصحيح، فتاريخ المجتمع الشرقي يكاد ينحصر في دورات متشابهة، تحوم في سماء تغذية الحركات السياسية والدينية، ولم يعرف تاريخنا الاجتماعي حركات همها الاول خدمة المجتمع، ولعل السبب كان في غياب مجهودات علمية او صناعية، قادرة على بناء وعي متجدد..
فمثلاً لو استعرضنا مراحل التطور في بلاد ما وراء البحر المتوسط، من سيطرة الإقطاع وانقلاب البرجوازيين وظهور الرأسمالية وردة فعل الاشتراكية ثم انطلاق الثورات الحديثة بدءاً من الصناعية، ومروراً بالتقنية والمعلوماتية والبيوتكنولوجيا، وتأثيراتها في المجتمع الغربي، ودورها في تحريك تقاليد المجتمع الساكنة، لربما فهمنا سر تاريخ الجمود العربي، ، ففي عصر الإقطاع كان الملاك الإقطاعيون والفلاحون الطبقتين الرئيسيتين في المجتمع الغربي. وكانت الطبقة الإقطاعية الحاكمة تشمل النبلاء وكبار رجال الكنيسة الذين كانوا من كبار الإقطاعيين بينما كان الفلاحون محرومين من الحقوق السياسية، ولم يكن الفلاح إنساناً مستقلاً، وإنما كانت تبعيتة الشخصية لسيده المالك الإقطاعي. وكان يسكن المدن الصناع ومعلمو الحرف والعمال غير المهرة. فكانت علاقات الإنتاج السائدة تحكم تلك العلاقة، وتقوم على أساس ملكية السيد الإقطاعي لوسائل الإنتاج أي الأرض بالدرجة الأولى والملكية غير الكاملة للعمال. ليدخل الغرب بعد ذلك مرحلة الرأسمالية التي بدأت منذ عصر النهضة، وقد استفاد المجتمع من إنجازات العلماء العلمية، والتي بدأت بالفكر والمذاهب الفلسفية ثم بالثورة المنهجية التجريبية، فقد كان الإنجليزي فرنسيس بيكون 1561-1626، من المؤيدين الأوائل الأساسيين والأكثر نفوذا للمذهب التجريبي ومن المؤيدين لاستعمال الطرق العلمية لحل المشكلات، ومن مؤلفاته التقدم في التعليم 1605م، وكانت أيضاً ثورة العقل حيث بدأها ديكارت الذي اعتمد الشك المنهجي وكانت عبارته الشهيرة «أنا أفكر إذاً أنا موجود» وجاليليو عالم الفلك المشهور وكوبرنيك ونظرية الشمس مركز الكون التي كانت ثورة على الكنيسة والتي كانت تمارس محاكم التفتيش، وتؤمن أن الأرض مركز الكون ومن هذه النظرة كانت تدعي أنها تحكم الأرض وأنها ظل الله فيها. ليستمر تراكم العلوم والمعارف والفنون والصناعات والخبرات البشرية، والتي أضافت مزيداً من الحركة والحرية للمجتمع، وقدمت نماذج متعددة للوعي الجديد، ليأتي عالم الثورة المعلوماتية بعد أن سجلت تقنية المعلومات تطورا هائلا بسبب تطور الكمبيوتر ودخول عصر الفضاء، ثم ظهور عالم الإنترنت العجيب.
ولو تأملنا مراحل التاريخ في الشرق، ستختلف المعايير التي تنطلق منها، ولن يتجاوز التقسيم المرحلتين أو الثلاث، مرحلة النبوة والخلافة الراشدة والتي لم تتجاوز الأربعين عاماً، لتليها دورات متشابهة من الفكر السياسي، سياسة الغلبة القائمة على الصراع والسيطرة التي ترفض أي منافس لها على أرض الواقع ولا تطيق البحث والتنقيب في حقيقة السياسة بما في ذلك الغلبة نفسها وطريق الخلاص منها، وقد صاحبت مراحل التاريخ الإسلامي طفرات علمية، لكنها لم تؤثر في الفرد، ولم تجعل منه إنساناً منتجاً قادرا على إحداث التطور الإيجابي، فالتجار والصناع والحرفيون والمهنيون كانوا في طبقات أدنى بكثير من الخواص وأفراد الجيش والأمن وموظفي الإدارات الحكومية، وكان الاقتصاد يعتمد إلى حد كبير على عوائد الجهاد والفتوحات والجزية، أي ان الدخل مصدره وسائل غير منتجة، ويتم بشكل هرمي، ومن اعلى إلى أسفل، ويتحدد نصيب الأفراد حسب ولائهم للدولة او الخليفة وليس طبقاً لإنتاجهم وأعمالهم..
استمرت هذه المرحلة إلى بداية القرن العشرين، ثم بدأ عصر الدولة بمفهوم شبه جديد، وقائم نظرياً على مصطلحات مستوردة من ثقافة ما وراء البحر المتوسط، كجمهورية ديموقراطية شعبية، ولكنها كانت أشد فتكاً واستبدادا من عصور الدورات العصيبة في التاريخ العربي، فتراجعت خلالها طبقة المثقفين والتجار، وتولى العسكر مقاليد الأمور في العالم الاسلامي تحت مبررات مثل أولوية الدفاع عن الوجود، ولو على حساب الحضارة والتطور الاجتماعي أو التقدم، فتأخر التعليم وانحصرت الطبقة المتوسطة «المنتجة» في أقليات اجتماعية، وهيمنت عبودية الأمية، وفقر المهارات الفردية، وهكذا تجمد المجتمع، وتحول المثقف من دور المفكر المحاور المطور للمجتمع، إلى نديم يبرر ويحلل وينظر لأنظمة الحكم وحكمتهم!، ويحدث نتيجة لذلك.. التراجع ثم الانهيار..
وهو ما أدى إلى ضعف منظومة المعرفة وتفشي آليات اجتماعية بديلة لحل المشكلات المجتمعية كالمحسوبية والمحاباة، لتسود انطباعات عن عدم جدوى المعرفة في حل مشكلات النشاط الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، أو صعوبة التوصل إلى مثل هذه المعرفة، وهو ما أدى بصناع القرار إلى الانكفاء على ما ألفوه من وسائل وآليات موروثة، وهو ما أشارت إليه نتائح تقارير التنمية العربية لعام 2003، والتي مازالت تؤكد من جديد ضعف قطاعات المجتمع الإنتاجيةوقصور ملحوظ في ممارسة الأنشطة الابتكارية، وبقي الجزء الأكبر من الإنجازات البحثية والتطويرية والإبداعية التي تتم في مؤسسات البحث والتطوير العربية على هامش الإنجازات، وفاقد الشيء بالتأكيد لا يعطيه، فأغلب المجتمعات العربية تستمد قيمها من الصحراء، حيث العصبية والمروءة والصراع من أجل البقاء، وهو ما ينعكس تلقائياً على أفراد المجتمع ورجال الأعمال، فرجل الأعمال فاقد لتقاليد وخصائص الإنتاج، لذا تصعب عليه قيادة عمليات التنمية البشرية من خلال برامج الخصخصة، ولن يحدث تغيير جذري في تلك القيم «البدوية»، إلا في أن يقود اقتصاد الدولة مهمة قيادة المجتمع إلى مراحل أكثر تطوراً، وأكثر مدنية ومهنية، وأن يستفاد من تجارب دول الشرق الآسيوي، ومن الخبرات الغربية، وما تجربة الشركات العملاقة في الظهران والجبيل وينبع إلا خير برهان على ذلك، فالمجتمعات القريبة منهما تعد أكثر بعداً عن قيم الصراع الصحراوية من بقية المناطق!..
كما تعتبر خطوة المشاركة الشعبية في المجالس البلدية خطوة رائدة لإثراء وعي المجتمع، ولمنحه جزءاً من المسئولية في الطريق نحو التطور في مجال تفعيل المجتمع المدني، ومن الأفضل ألا تنحصر تلك الخطوة الجريئة في مجالس المناطق، وأن تبدأ من القاعدة الشعبية، أي في المدن والقرى، فالمجتمعات الحضرية في القرية او المدينة يجب ان تنشط في خدمة مجتمعاتها، وان تكتسب القدرات والمهارات التي تعود بالنفع على سكانها، ولا بد من تحديد معايير محددة كعدد السكان تؤهل القرية لتأسيس مجلس بلدي، فمثلا يحق للقرية تكوين مجلس بلدي إذا تجاوز عدد سكانها العشرين او الثلاثين أو الخمسين ألف نسمة، ويجب أن ندرك جيداً ان مهمة استبدال القيم الاستهلاكية والنزعة الفردية بتقاليد الانتاج وإعادة بناء الوعي الاجتماعي الذي يؤمن عن قناعة تامة وتجربة وافية بأهمية الحفاظ على وحدة الوطن ومكتسباته الحضارية طريق شائك، لكن طريق الألف ميل يبدأ دائماً بخطوة ..

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved