* تقرير- قبلان محمد الحزيمي- وادي الدواسر:
يتميز وادي الدواسر عن غيره من مناطق مملكتنا الحبيبة باحتوائه على عدد من مواطن الاستيطان البشري على مر العصور والتي تدل على الأهمية التاريخية كموطن للعديد من الحضارات التي يأتي في مقدمتها حضارة دولة كندة المعروفة في التاريخ قبل ميلاد المسيح عليه السلام بأكثر من 300 عام وما بعدها إبان ظهور الإسلام وحتى العصور المتوسطة وصولا إلى الدولة السعودية في أدوارها السابقة ولا يستغرب وجود مثل تلك الحضارات السابقة خاصة إذا ما علمنا ان وادي الدواسر كان نهرا جاريا أو اشبه بالنهر كما حدثنا عنه «بطليموس» ومن بعده« مورتس» كما ان الوادي كان غنيا تماما بثرواته الزراعية واتساع رقعة المراعي من حوله وتوسطه بين جنوب الجزيرة العربية وشمالها وتحكمه في القوافل التجارية اثناء مرورها به».
كنوز مطمورة
«ولقد خلفت تلك الحضارات مواطن آثارية طمرت الرمال شمال الوادي الكثير من كنوزها التاريخية وثقافات الأمم التي عاشت بها كما أدى الزحف العمراني والزراعي إلى اختفاء معالم الكثير منها كل ذلك امام مرأى الجهات الحكومية ذات الاختصاص والتي يأتي في مقدمتها هيئة الآثار والمتاحف التي اكتفت بمسح لآثار الوادي قبل أكثر من أربعة وعشرين عاماً والذي أثبت كما ذكره الكاتب والآثاري المعروف الدكتور عبدالعزيز بن سعود الغزي وجود عشرات من المواقع الآثارية جزم يوم ذاك أن كل واحد منها يمثل بلدة وجدت فيها آثار على ظهور الإسلام كما أشار المصدر نفسه انه بالنسبة للعصور الحجرية فإنه يوجد العشرات منها في الاماكن الجبلية وعلى مصاطب الوادي نفسه وعلى حواف البحيرات والتي يعتقد انها تعود إلى الفترة المطيرة الواقعة بين 9000 و5000 عام قبل الوقت الحاضر.. وحقيقة ان وادي الدواسر يحتوي على الكثير من الآثار التي يظهر جزء منها على الارض كالقصور والحصون الاثرية التي جار عليها الزمن والبعض الآخر لا يزال مدفوناً تحت باطنها ولم يكشف عنها وعما تخفيه من تراث عريق حتى الان وقد فرضت هيئة الآثار والمتاحف على من اراد الاطلاع على الآثار المستخرجة بعد التنقيب في قرية الفاو التوجه لمتحف جامعة الملك سعود بالرياض بينما الموقع الطبيعي لحفظ هذه الآثار هو في متحف اثري يقع بجوار المنطقة الاثرية أو في وسط المحافظة أسوة ببعض مناطق مملكتنا الحبيبة ولا يخفى على الجميع أهمية مثل هذه المتاحف للاستفادة منها في مستقبل سياحة المحافظة.. وبصفتي أحد المهتمين والحزينين على ما وصلت إليه تلك الآثار من إهمال ذوي الاختصاص أضع بين يديهم ويدي القارئ الكريم شيئاً قليلاً مما في الميدان واترك الباقي لفرق البحث الميدانية من الباحثين.
قرية الفاو
تبعد قرية الفاو الاثرية والتي كانت تسمى عند البادية «قرية» عن مركز وادي الدواسر حوالي 100 كيلو متر تقريباً من الجهة الجنوبية الشرقية وبالتحديد في المنطقة التي يتداخل ويتقاطع فيها وادي الدواسر مع جبال طويق عند فوهة مجرى قناة تسمى «الفاو» والتي استمدت القرية اسمها الحديث منها تعريفاً وتميزاً لها عن باقي القرى المجاورة لها، وتشرف قرية على الحافة الشمالية الغربية للربع الخالي فهي بذلك تقع على الطريق التجاري الذي يربط جنوب الجزيرة العربية وشمالها الشرقي حيث كانت تبدأ القوافل من مملكة سبأ ومعين وقتبان وحضرموت وحمير متجهة إلى نجران ومنها إلى قرية ومنها إلى الافلاج فاليمامة ثم تتجه شرقاً إلى الخليج وشمالاً إلى وادي الرافدين وبلاد الشام.
تحدثنا قرية الفاو عن تلك الحضارة العريقة لمملكة «كندة» وامرئ القيس وملك قحطان وكيف كانت بيوتهم وأسواقهم ومتاجرهم وملابسهم وأطعمتهم وآنيتهم ووسائل زينتهم ونظام أمنهم ودفاعهم عن حصونهم وابراجهم وعن ثقافتهم وانشطتهم الاقتصادية والاجتماعية التي تسجلها معابدهم القديمة، والتي تعود إلى ما قبل ميلاد المسيح بثلاثمائة عام أو يزيد.
وقد بدأت الانظار تتجه نحو «قرية الفاو» كموقع أثري منذ عام 1940م حين نبه له أحد موظفي شركة أرامكو، ثم تلا ذلك رحلات واستطلاعات علمية قام بها «عبدالله فلبي» وبعض علماء الآثار الاجانب.. فما كتبوه عنها كان النواة الاولى بيد جامعة الملك سعود بالرياض لتبرزها في «قرية الفاو» عام 1971م وتورق لنا هذه الشجرة الحضارية التي أصبحنا نتظلل تحت أفيائها التي كانت حصيلة مجهود علماء جامعة الملك سعود الان فيما بذلوه لإنماء تلك الشجرة العريقة وحسب ما أكده لي رئيس قسم الآثار في جامعة الملك سعود د. خليل المعيقل فقد توقف التنقيب عن آثار قرية الفاو الاثرية منذ هذا العام مما سيكون له المردود السيئ جدا على مستقبل هذه القرية كموقع أثري مهم.
وقد كتبت عن هذا الموقع الاثري العديد من المراجع والمؤلفات لمن أراد المزيد من المعلومات.
قرية الجو
وتقع شمال الفرعة بحوالي كيلين تقريباً وقد وجد بها عام 1360هـ آثار «كف ادمي» به حلي لونه أصفر، كما عثر على «نواء أسود» و«أديم شاة» والمنطقة عبارة عن عدد من التلال المتقاربة ويظهر على سطحها الخارجي قطع فخارية واثار للعظام واحجار متعددة الاشكال والالوان وتعرف المنطقة لدى أهالي المحافظة باسم «الملقطة»، وقد قامت وزارة التربية والتعليم بوضع سياج حديدي على هذه القرية كواحدة من المناطق الاثرية بالمحافظة الا انه لم يتم التنقيب أو الكشف عما تخفيه من تراث عريق.
قصر الملك عبدالعزيز
يعتبر قصر الملك عبدالعزيز وهو ما يعرف بقصر الامارة أو قصر الحكومة من أهم المعالم التقليدية في وادي الدواسر ويتكون من خمسة اجزاء هي مسكن العائلة ومنطقة الامارة ومنطقة الضيافة ومنطقة الماشية ومنطقة الخدمات التي تتوسط الاجزاء الاربعة الاخرى وتشكل المساحات والغرف الخاصة بالضيوف نسبة كبيرة من المساحة الكلية، وتبلغ مساحة حدود المجمع 5220م2.
وبداية إنشائه كانت عندما أرسل الملك عبدالعزيز- رحمه الله- مندوبا له يسمى «جاسر» عام 1329هـ طالبا من وكيل الحكومة بالوادي أنذاك الشيخ/ محمد بن سعد بن ضرمان ببناء القصر ليكون مقراً للحاكم الإداري في وادي الدواسر، وهو أحد القصور التاريخية التي تزخر بعبق التاريخ المجيد وقد بني على مساحة 1522 متراً مربعاً وبقي صامداً أعواماً عديدة إلا أن الزمن جار عليه فتهدمت أجزاء كبيرة منه ووقع بعض جدرانه وأسواره المحيطة به وأبراجه حتى أصبح حطاماً دون معرفة واضحة لبعض معالمه التاريخية ويرى بعض المهتمين بالآثار أنه يمكن تحويله إلى متحف أثري للمحافظة وذلك لاشتماله على الكثير من المقومات التاريخية والمساحة الشاسعة.
قصور ربيع وبهجة والخويري
ويقع قصر ربيع في المعتلا في منتصف وادي الدواسر وتبلغ مساحته الاجمالية حوالي 1600م2 ويعود تاريخ هذا القصر إلى حكم الدولة السعودية الأولى وينسب إلى الداعية المعروف ربيع بن زيد المخاريم القائم على دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في عهده ويتكون القصر من السكن الخاص والضيافة وفي زواياه الاربع أبراج تتكون من دورين بالاضافة إلى خلوة سفلية كانت نستخدم مستودعاً للسلاح والمؤونة وفي جنوبه اسطبل للخيل أما مسجد الشيخ فكان خارج القصر في جهته الشرقية الشمالية وهو الذي انطلقت منه الدعوة وكان الشيخ يعلم فيه طلابه.
ويقع قصر بهجة في اللدام ومساحته 11500م2 وهنا روايتان الأولى تقول إنه بني ليكون مقرا للحامي التركي ويدعى «بهجت» والرواية الثانية أنه نسبة إلى بئر تسمى «بهجة» وهو النطق الصحيح لهذا القصر وهنا تشير الرواية إلى انه بني في عصر الإمام فيصل بن تركي آل سعود والذي بناه ليكون مقرا لمنصوبه آنذاك ويتكون من سور عرضه يتجاوز 50سم في بعض المواقع وتتربع في زواياه 4 أبراج مرتفعة كما يوجد بداخله قسم للسكن وآخر للحكم الاداري وكذلك بئر للمياه ومسجد يقع على الشارع ليخدم القصر والمارة ولقربه من سوق اللدام فقد سيء استخدامه وبقيت بئره تمثل خطراً كبيراً على الاطفال والمارة ولم يلق من المسؤولين أدنى اهتمام.
أما قصر الخويري: فهو حصن ركامي من الطين جيد التخمير مرصوص بشكل دائري ومتماسك بشكل متين أمام العوامل البيئية والبشرية ويقارب ارتفاعه 20 مترا تقريبا ويقع شمال شرق جامع نزوي بمسافة 200 متر وقد تضاربت الآراء في تاريخه واستخدامه إلا انه من الواضح انه كان مقر قيادة حامية عسكرية ويوجد به درج داخلي حلزوني وبئر بارتفاع السطح من الوسط وقيل ان تاريخ هذا الحصن يعود إلى ما قبل القرن التاسع الهجري وسمي الان بالخويري نسبة إلى الخوران من الدواسر.
اطلال وحصون كمدة
وتحوي المنطقة السكنية التي تزيد مساحتها على 20000م2 يتوسط جزءها الشمالي الجامع وبئر السقيا وحوض الماء ويحيط بها سور تهدم الكثير من أجزائه وفي زواياه اربعة ابراج وهي المتعارف عليها للمراقبة وقد بقي منها صامدا برج الحاطة في الزاوية الجنوبية الغربية وبه فتحات المزاغير والمعروفة للحماية والرماية.
وتوجد بالقرب من هذه المنطقة اطلال قصور متناثرة طمرت بين اشجار الاثل الكبيرة التي تدل على أحقاب أزمنة متعاقبة تعود لأكثر من 500 عام وقد أثرت فيها عوامل التعرية وطمرتها الرمال ومن هذه الحصون حصون أم الريعان وتقع جنوب غرب المنطقة السكنية وحصون أم القردان وتقع غرب منها كما أضفى الموقع الاستراتيجي لها كهمزة وصل بين وادي الدواسر والسليل ولوجود المناطق الرعوية المحيطة بها أهمية كبرى لنشوء مثل تلك الحضارات الغابرة وكانت تسمى قديما «بالوسيطا».
سلام وأبو طوق والحصين
* قصر سلام: وهو أحد القصور القديمة بوادي الدواسر ويقع شرق الشرافاء في منطقة «اللغيف» ويتميز بضخامة المبنى من حيث الارتفاع وعرض الجدران والحصون ذات الطرز المعمارية الفريدة والمختلفة عن بقية الحصون بالمحافظة وقد ظهر ذلك جليا من خلال الأقواس الكبيرة في جزئه الجنوبي وبجوار تلك الحصون آثار متناثرة لمبان مطمورة وقد أشار عدد من الآثاريين الذين زاروا المحافظة في أواخر شهر ربيع الاول من هذا العام 1424هـ إلى أن هذا القصر يعتبر من أقدم القصور الآثارية حيث رجحوا ان فترة بنائه تعود إلى القرن السادس الهجري.
أما قصر أبو طوق: فيقع في اللدام الشمالي وقد بناه «مراد» زعيم الحامية التركي وهو عبارة عن قلعة مربعة طول ضلعها حوالي 110 أمتار في كل زاوية من زوايه الاربع برج مكون من دورين طول ضلع قاعدته المربعة 6 أمتار تقريبا وارتفاعه 12 مترا ويربط الابراج سور عرضه قرابة المترين وارتفاعه ستة أمتار تقريبا ويطوق بالقلعة من الخارج خندق يصل إلى الماء بعمق 8 أمتار وعرضه 3 أمتار تقريبا ويحيط بكل ذلك سور ارتفاعه 3 امتار وهو اضعف من الأول وفيه أشبه ما يكون بالمحاريب وفي جهة القلعة من الغرب بوابة واحدة يتم الدخول من خلالها بعد عبور الخندق بواسطة السقالة وبداخل القلعة غرف للحكم والسكن وبئر للماء وإسطبل للخيل وفي جزء منه مقابر للحامية ولم يبق منه الان سوى اجزاء بسيطة من سوره.
ويقع قصر الحصين: في اللدام الشمالي ويعود تاريخه إلى الدولة السعودية الثانية وقد بناه إبراهيم الحصين وتبلغ مساحته التقريبية 592م2 وهو عبارة عن قلعة بها برجان في جهتها الشمالية والجنوبية وبداخلها بئر ومسجد وغرف للسكن ولم يكن بأحسن حال من سابقه نتيجة الزحف العمراني والذي نتمنى ألا يمتد إلى ما تبقى من المواقع الآثارية الاخرى.
آثار جبال بني سنامة
عثرت وحدة الآثار والمتاحف في إدارة التعليم بمحافظة وادي الدواسر على عدد من المواقع الاثرية القديمة التي تقع غرب محافظة وادي الدواسر في جبال بني سنامة عند خط طول 993،15،20 ش ودائرة عرض 501،18،044 غ والتي تشتمل على كتابات ونقوش قديمة تعود إلى ما قبل 1400 عام وتشمل على نقوش من البيئة المحيطة التي تتوفر في هذه المناطق الرعوية مثل صور للجمال والنعام والأغنام والحيوانات المفترسة وطريقة صيد الحيوانات بالرمح كما تشمل النقوش على كتابات بالخط الكوفي والمسند الجنوبي.
مصادر معلومات التقرير:
كتاب الأنصاري عن قرية الفاو الأثرية.
كتاب خصائص التراث العمراني في المملكة العربية السعودية.
كتاب صفحات مضيئة من سيرة بطل.
مقابلة مع عدد من أفراد أسرة آل ربيع بالمعتلا.
مقابلة مع كل من عبدالله بن فايز المدرع وبادي بن فيحان آل وثيلة.
مقابلة مع رئيس مركز كمده فارس الحقباني وعبدالله بن ظافر الحقباني.
أقوال رئيس قسم الآثار بجامعة الملك سعود د. خليل المعيقل ورئيس قسم التاريخ بالجامعة نفسها د. عويضة الجهني ود. عبدالعزيز الغزي الأكاديمي والكاتب المعروف.
مقابلة مع بادي بن فيحان آل وثيلة.
مسح ميداني لإدارة الآثار والمتاحف بوزارة المعارف آنذاك عام 1400هـ.
وحدة الآثار بإدارة التربية والتعليم بوادي الدواسر.
|