مقدمة
كنت كتبت عن رحلتي الأولى إلى هذه الدولة بهذه الجريدة بعنوان «رحلتان إلى مكة المكرمة وكازاخستان» وكتبت عنها في رحلتي الثانية بعنوان «الرحلة الثانية إلى كازاخستان».
وها أنذا أكتب عنها للمرة الثالثة، وقلت الأخيرة لئلا تظن بي الظنون، ولكن هذا - أي كونها الأخيرة - مشروط بعدم معارضة أبي فراس الأستاذ علي الحمدان سفير المملكة هناك.
غادرت الرياض على طائرة طيران الإمارات إلى دبي، وهناك مكثت أياماً بانتظار رحلة طيران «اير استانا» إلى ألماتي.
في دبي
اغتنمت الفرصة وسبحت في شواطئ الخليج الدافئة، واستمتعت بالبحر وصفائه، وصوت أمواجه، ومنظره الجميل، وهوائه العليل، وذلك في حديقة بلدية دبي «جميرا بيتش بارك» الجميلة، ذات الشاطئ النظيف الجميل الذي تتوافر فيه الخدمات المريحة من كراسي ومظلات وغيرها، الكرسي بعشرة دراهم، والمظلة بمثلها، والدخول بخمسة دراهم «يا بلاش». وكنت آخذ معي من الفندق القهوة في الزمزمية، والقرصان «جمع قرص، وليس مفرد قراصنة»، واللبن والحليب والزبادي في الحافظة اليدوية «الثلاجة»، وذلك لأني أحب البحر كثيراً كما أسلفت منظراً وصوتاً وسباحة، وسمكا «عسى الله يجيب لنا بحر في الرياض والبير».
وكان مشرف الشاطئ من البلدية يتردد في سيارته الجيب للاطمئنان والمراقبة، فذكرت له جمال الحديقة وحسن تنظيمها وتذكرت ما يعانيه ذوو العائلات الذين لا يطيقون الاختلاط، من عدم وجود أماكن على البحر في شواطئ دبي يتنزهون فيها فأبديت له هذه الملاحظة التي رواها لي صديقي الذي حضر مع زوجته وأطفاله في عطلة الحج الماضي، حيث ذهبوا - كما قال لي - لشواطئ بعيدة بعد جبل علي، طرقها صعبة «رمال»، وقد كتبت عن ملاحظات صديقي في العدد 11117 بتاريخ 4/1/1424هـ من هذه الجريدة بعنوان «رحلة خليجية»، فأجابني مندوب البلدية بأنها في سبيل إنشاء شواطئ لمثل هؤلاء.
حدائق أخرى
وفي دبي حديقة «شاطئية أخرى» هي حديقة الممزر بين دبي والشارقة، وحديقة الصفا الكبيرة على طريق زايد مقابلة لفندق «متروبوليتان»، والعيب الوحيد في هذه الحديقة هو عدم وجود أماكن لتغيير الملابس بدل الحمامات، ولما أبديت هذه الملحوظة لبائعة التذاكر قالت إنهم الآن بدأوا في عمل ذلك.
وهنا أقول بأسف إن بلدياتنا الشاطئية «أو الكورنيشية» كما يحلو لهم ترك الكلمة العربية الجميلة «شاطئ» واستخدام الكلمة الفرنسية الثقيلة البغيضة «كورنيش»، إنها أي بلدياتنا تلك لم تحاول إنشاء حدائق على البحر للنزهة والسباحة، بل تركت الحبل على الغارب حتى نهبت الشواطئ «نهباً»، والله المستعان.
إلى ألماتي
غادرت دبي إلى ألماتي على طائرة شركة «اير استانا» 4 ساعات طيران، وهي الشركة الوحيدة التي تعمل على هذا الخط، الطائرة 737، وقد وجدت الجو هناك على وشك أن يبرد، فاغتنمت فرصة اعتدال الجو وذهبت للصحراء مع بعض الإخوان، وبقينا أسبوعين استمتعنا فيهما بجمال الطبيعة التي أبدعها خالق الكون ومدبره، من أنهار وبحيرات وطيور ونباتات، وجبال كثيرة، ورمال قليلة، إضافة إلى الهدوء، والهواء النقي، بعيداً عن ضوضاء المدن وضجيجها وتلوثها.
بحيرة بلخاش
لعلكم «أو لعل بعضكم يذكر» أني قلت في مقاليّ السابقين، إن هذه الدولة تحوي أي تضم آلاف الأنهار وآلاف البحيرات، المهم قربنا من بحيرة «بلخاش» التي طولها 660 كيلا «ستمائة وستون» نصف مائها مالح ونصفها الآخر عذب، تصب فيها الأنهار وهي بعيدة عن البحار، وتجولنا في مراكب صغيرة في الأنهار المتجهة إلى البحيرة، وأكلنا من أسماكها كثيرا، ومن بطها قليلاً، وشاهدنا سمكة صادها الكازاخيون بطول قامة الرجل المتوسط الطول، وقالوا إنهم اصطادوا أكبر منها.
الرحلة الصحراوية الثانية
وعدنا لألماتي، ولكننا اشتقنا للصحراء فعدنا والعود أحمد، ولكن البرد داهمنا على طريقة الذين يجرون المقابلات الإذاعية والتلفازية فقد كانت درجة الحرارة أقصد درجة البرودة خمس درجات تحت الصفر فهربنا عائدين إلى المدينة «مكرهين لا أبطال» بعد أن بتنا في منزل يقيم فيه بعض موظفي رجل الأعمال الشيخ «دوسوكين نور لا نور»، الذي أكرمنا وأمتعنا بظرفه ولطفه.
وقد شاهدنا عندهم تدفئة عجيبة، قد لا أستطيع وصفها بدقة، فهم يوقدون ناراً «بالحطب» فيما يشبه الفرن، تخرج منه النار وتدخل بين جدارين فيحميان ويدفئان ما حولهما، ويضعون على فوهة النار الماء الذي يحتاجون إليه لطبخ وغسل ونحوهما.
وذكر الأستاذ سمير الذي له مدة طويلة في البلد أن هذه الطريقة توجد في معظم البيوت القديمة في ألماتي وغيرها.
مصنع الأرز
وزرنا مصنع الأرز الذي يملكه هذا الرجل «ومزارعه»، فرأيناه يمر بأطوار كثيرة، وبه معدات ضخمة بأجهزة الحاسوب «الكمبيوتر»، وبعض تلك المعدات تهتز «اهتزازاً»، وتذكرت مصانع الشاي التي شاهدتها في سريلانكا، أي أن صناعة الشاي والأرز تمر بأطوار كثيرة معقدة قد لا تخطر ببال الكثيرين.
رحلة العودة
كانت رحلة العودة مقرراً لها أن تكون عن طريق دبي، ولكن طائرة خاصة تقل «وفداً» قدمت إلى ألماتي، وستعود للرياض، فاغتنمت الفرصة أيضاً وعدت فيها {$ّكّفّى پلَّهٍ پًمٍؤًمٌنٌينّ پًقٌتّالّ}.
وكان في الطائرة اثنان من الطيارين واثنان من المساعدين واثنان من الفنيين «المهندسين الجويين»، وذلك لعدم وجود طاقم في ألماتي يعود بالطائرة كما هي العادة المتبعة حسب أنظمة الطيران.
حديث مع الطيار
كان الطياران عبدالعزيز الشيباني ويوسف فلاتة، الأخير 27 سنة طيران، فلما رأيت الكابتن يوسف جالسا معنا يقرأ القرآن الكريم في مصحف بيده اغتنمت الفرصة «للمرة الثالثة» «ما يخالف» وسألته بعض الأسئلة التي كانت تراودني وربما تراود غيري، فالتفت إليّ، أجاب على أسئلتي التي منها:
- قضية ارتفاعات الطائرات في الجو، لكل طائرة ارتفاع معين، فكيف يتم ذلك إذا ازدحم الجو بالطائرات كما في موسم الحج عندنا وكما في بعض دول العالم؟
- سمعت أن مسار الطائرات، يراعي وجود مطارات حوله للهبوط الاضطراري لو حصل شيء يستوجب ذلك، فأجاب بأن هذا التصور ليس دقيقاً.
- كيف تطير الطائرة؟ كنت أظن أن المحرك النفاث وقبله المروحة هو كل شيء، ولكنه شرح لي أن الهواء تحت الجناح يصل أسرع من الهواء الذي فوقه فيكون ارتفاع الطائرة وللمحرك دور آخر «أو كما قال مما نسيت معظمه أو لم أستوعبه» وبالمناسبة لدي كتاب عنوانه «كيف تعمل الأشياء» ألفه مواطنان نسيت اسميهما، سأرجع إليه وأخبركم بما قالا عن ذلك. فكونوا معنا «الله يرحم والديكم».
- كنت أعتقد أن الهبوط أصعب من الإقلاع، ولكن صديقا عزيزاً يرى عكس ذلك، فلما سألت الطيار «يوسف» أيد رأيي المتواضع «وسفه رأي صديقي»، وقال إن الهبوط يحتاج إلى عناية أكثر في توازن الطائرة، وقربها من الأرض ونحو ذلك.
- كنت دائماً أستغرب قدرة جناح الطائرة على الصمود أمام ما فيه من الوقود الكثير والمحركات الضخمة الثقيلة فكيف لا ينخرع أي ينكسر، حتى أني بتفكيري المحدود «وخوفي من الانخراع» كنت أقول في نفسي ولبعض من ناقشتهم في ذلك لو وضع مصممو الطائرات حبلا ضخما يصل بين منتصف الجناحين ويرتفع على سارية عالية وسط الطائرة لكان أكثر أمنا كما يوضع في الجسور الطويلة، ولكن الكابتن يوسف طمأنني وذكر أن الأجنحة تصنع من مادة قوية جداً سماها لي «ونسيتها» فلا خطر في ذلك، نسي آدم فنسيت ذريته، أحفظ أبياتا في النسيان نسيت إن كنت ذكرتها لكم قبل الآن.. على العموم.. هي:
أفرط نسياني إلى غاية
لم يدع النسيان لي حسا
فكنت كلما عرضت حاجة
ملحة ضمنتها الطرسا
فكنت أنسى الطرس في راحتي
وكنت أنسى أنني أنسى
وإن سمحتم فاسمعوا «أقصد اقرأوا» هذه النكتة
جاء رجل لطبيب يشكو كثرة النسيان لديه، فسأله الطبيب متى بدأت هذه المشكلة؟ فأجاب الرجل: أي مشكلة؟!
- سألت الكابتن سؤالاً طالما خطر على بالي.. وهو: ألم يحصل في تاريخ الطيران أن نسي طيار إنزال عجلات طائرته؟ فأجاب بأنه ربما حصل شيء من ذلك ولكن في الطائرات الآن أجهزة تحذير وتنبيه عالية الأداء تنبه الطيار حين يحين موعد إنزال العجلات مما يستحيل معه حصول النسيان.
- سألته عن حادث أو موقف طريف حصل له فلم يتذكر حوادث، وتذكر موقفاً طريفاً، وهو أنه كان في طريقه من جدة للرياض بملابسه الرسمية كراكب لوجود مهمة له تبدأ من الرياض فسأله أحد الركاب أنت الكابتن وتجلس معنا هنا وتترك الطائرة فأخبره بالوضع.
وأضاف الأخ يوسف كنت ظننتك ستسألني نفس السؤال لما جلست بجانبي.
- ذكرت لطيارنا - بالمناسبة - «ولا مانع أن تشتركوا معه في هذه المعلومة» موقفين حصلا لي منذ مدة طويلة، وهما أني كنت ذاهباً في مهمة ضمن وفد للزلفي في حوامة «طائرة مروحية» «هليكوبتر» بعد سيل جارف هدم بعض البيوت هناك، فكنا «أحد الركاب وأنا» ندل الطيار على الطريق ونقول له اتجه يميناً أو شمالاً حتى وصلنا الموقع، فعلق الكابتن يوسف بأن المسافات القصيرة لا توجد لها خرائط يسير الطيار بموجبها، فلا يستغرب ذلك.
الموقف الثاني: أننا «الوفد» عدنا للزلفي في طائرة كبيرة محملة بالخيام، ولما هبطت في أرض ترابية قرب البلد فوجئ الطيار «وهي ما زالت مسرعة» بعقم ترابي أمامه، فما كان منه إلا أن تصرف بالضغط على الفرامل وغيرها بالتعاون مع المساعد «هكذا فهمت» فتمكنا من إيقاف الطائرة على حافة العقم، ولكنها لشدة الضغط غاصت عجلاتها في الأرض حوالي نصف متر، وتطاير الغبار «إلى عنان السماء» ولم تحصل مضاعفات.
ومن الطريف - للتاريخ - أن مندوب وزارة المالية رأى أن تخصص خيمة لكل عائلتين، فاعترض بقية أعضاء اللجنة على ذلك ورأوا أن يكون للعائلة الواحدة خيمة واحدة على الأقل، فكان احتجاجي على ذلك هو انسحابي وعودتي للرياض، وقد أسفت لذلك الانسحاب والمفروض أن أبقى وأن أكافح مع بقية الأعضاء لتطبيق رأينا الذي هو الصواب.
هل القصيم هي القاسم؟!
وهنا وبمناسبة الطائرات والطيران والطيارين والمطارات «بتخفيف حركة الطاء» أعود - ان سمحتم - لموضوع تطرقت له سابقا في إحدى مقالاتي بهذه الجريدة وهو أن طياراً عربياً في شركة طيران عربية «احتفظ باسمها» لما كان فوق منطقة القصيم أعلن لركابه - وكنت منهم - أنه فوق مدينة القاسم فأخبرته بواسطة أحد الملاحين أنها منطقة وأنها القصيم، وجاء هذا الخلط من خطأ في كتابة الكلمة باللغة الإنجليزية حيث كتبت في جدول رحلات خطوطنا الجوية بل وفي لوحات وزارة المواصلات - عفوا - وزارة النقل ALGASSIM فلا لوم على ذلك الطيار، وهذا في رأيي المتواضع وفي معرفتي المحدودة جداً بلغة الخواجات «بوش وبلير» وأضرابهما خطأ واضح، والمفروض أن تكون - في رأيي المتواضع أيضاً ALGASEEM ولا داعي أيضاً لتكرار حرف G، ويجب أن تأتي EE بدل I.
الأخ الأستاذ سهم بن ضاوي
وهذا الخطأ وقع فيه أيضاً الأخ الزميل سهم بن ضاوي في ترجمة اسمه للغة الإنجليزية حيث كتبه SAHEM ولما أبديت له رأيي في خطأ الترجمة بخطأ وجود E في الاسم أجاب بأن شخصاً يجيد الإنجليزية هو الذي كتبه هكذا، فتبين لي - والله أعلم - أن الشخص شامي لأنهم يحركون السكون، فلا بد أنه ينطق الاسم سهم بكسر الهاء بدل إسكانها ومثله: فهد FAHD «لا» FAHED وبدر BADR «لا» BADER.
وما زال اسم أخينا يخرج في كتاباته في الجزيرة والمجلة العربية ساهم بكسر الهاء وهو حر في ذلك، فحرية الرأي مكفولة في ترجمة «الأسماء» و«اسمه وبصره به» والله أعلم.
|