مساء البارحة من لياليه ليس مثل كلِّ المساءات، ولا أيِّ المساءات..
فليلٌ يكون في صباحه صومٌ...
ليلٌ يختلف... بحسٍّ يختلف...
تلك نبضةٌ دفينةٌ تخرج من الشِّغاف...، تطرق قفص الصَّدر
الجميعُ وهو يتحرَّك في صوب الاتجاهات، ونحوها، تنهض عبارة
في فمه: هذا المساء ليس كأيِّ مساء...، إنَّه إيذانٌ بالصَّمت، والصَّمت صومٌ:
ورمضانُ حنيئذٍ ليس الأيام الثَّلاثين، ولا الأسابيع الأربعة، ولا الشَّهر الواحد، ولا السَّاعات بعددها...، وإنَّما هو السَّكن، والصَّديق، والمأوى، والكنف، والسَّرُّ، والسِّتر، حيث يسكن إحساس الإنسان فيه إلى الإفضاء، والمصارحة، والمكاشفة، والإيواء، والبوح...، ومن ثمَّ التَّلفُّع بهيمنة الرَّجاء، في كسب المغفرة، الرَّحمة، العتق،....
وأيُّ إحساسٍ أجمل من بلوغ منتهي التَّخيل، في الانفضاض عن طاولات الإثم، وأطباق الخطأ...، إلى نهر الطُّهر...، ومظلَّة الانعتاق...، إلى رحابة المغفرة، وجنَّة الخلد؟
الصَّوم بشائرُ، تطرقُ كزخَّاتِ المطر سطحَ النَّظر، كي تتسرَّب فتسبُر غوْرَ البصيرة، والإحساس الدَّفين...
الصَّوم صفحةُ مدى، تمضي عليها أقدام الأمل، بأجنحة العمل...
في رمضانُ...
تبدأ خطوة الالتحام بالأمل، في منظومة المشاعر، عسى أن يتحقَّق فيه ما استبشرت به الأماسي...، بأوَّلها وآخرها فيه...
| 
