الإصلاح أمر عظيم، جاءت الأدلة من الكتاب والسنة مبينة عظيم فضله، وجزيل أجره، ونجاة أهله، يقول تعالى: { (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)} فمن جعله له هدفاً، ووضعه مقصداً، وسعى لتحقيقه، فليبشر بسعادة الدنيا والفوز في الدار الآخرة؛ ولكن ليس كل من ادعى الإصلاح صار من المصلحين، وليس كل من زعمه صار من أهله، فقد يوجد من أدعياء الإصلاح مفسدون، تأمل قول الله تعالى عن المنافقين: {وّإذّا قٌيلّ لّهٍمً لا تٍفًسٌدٍوا فٌي الأّّرًضٌ قّالٍوا إنَّمّا نّحًنٍ مٍصًلٌحٍونّ، الْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) } فقد ادعوا الإصلاح، ولكن الله بيَّن حقيقتهم، وفضح أمرهم، وأظهر واقعهم، لأن دعواهم مجرد ادعاء لا حقيقة له، وزعم لا برهان عليه، بل هم على النقيض من ادعائهم، فهم وإن زعموا الإصلاح مفسدون، بل كما قال تعالى: {هٍمٍ المٍفًسٌدٍونّ} تأمل، كأن ليس هناك مفسد غيرهم.
وقد وجد في هذا الزمان، من يدّعي الإصلاح، ويزعم أنه إمام للمصلحين، ولكن عندما تعرض أقواله وأفعاله على نصوص الكتاب والسنة، ومنهج السلف الصالح، تخشى عليه أن يكون قد سلك مسلك أولئك الذين ذكر الله تعالى في الآية السابقة، ولله در القائل:
مهما تكن عند امرئ من خليقة
وإن خالها تخفى على الناس تعلم
تجده وأتباعه، ومن تأثر بمنهجه، بعيدين كل البعد عن دائرة الإصلاح وعن طريقة المصلحين، عندما تتأمل في أقوالهم وبعض أفعالهم، وتستعرض ما يقرون وما يؤيدون تجد الإصلاح في وادٍ وهم في وادٍ آخر، وخذ على سبيل المثال: هل يكون من المصلحين من يجعل الكذب مطية له، واللعن متنفسا لما في داخله، وكثرة الحلف دليلاً لمقالاته، ومبرراً لحججه الواهية، والتحريض وسيلة للوصول لأهدافه، ومعصية ولي الأمر مطلباً من أهم مطالبه، وإثارة الفتن بين المسلمين مقصداً من مقاصده، وسفك دماء الأبرياء أمنية من أمنياته، والتغرير بعامة الناس وجهالهم مبدأ من مبادئه، وحطام الدنيا طعماً لاصطياد أتباعه، هل يكون هذا من المصلحين؟ لا والذي نفسي بيده، إنما هو من المفسدين وسوف أبين ذلك في الأعداد القادمة إن شاء الله تعالى.
(*) حائل / ص.ب 3998
|