* تحقيق - محمد راكد العنزي - محافظة طريف:
يبدو أن التوسع العمراني والتزايد السكاني الذي بات يزحف على القرى و المدن الصغيرة قد بدأ يحرمها من العادات القديمة الجميلة التي بات يفتقدها الآن كثير من الناس وبالأخص كبار السن عندما كان الترابط الاجتماعي بين الأسر في أوجه حيث كانت النظرة العامة للحي الواحد باعتباره أسرة كبيرة من الناس يحتضنهم هذا الحي، لكن في هذه الأيام يبدو أن هذه العادات وكذلك تصرفات البعض من الناس قد بدأت تأخذ منحى آخر في المدن الكبيرة والتي أصبحت وللأسف تنتقل أيضاً شيئاً فشيئاً إلى المجتمعات الصغيرة حتى أصبح فيها الجار لا يعرف جاره ولا يهتم إلى التعرف عليه نتيجة انشغال الناس في أعمالهم وأسرهم وتغير ظروف الحياة المعاصرة.
حيث يقول سالم حمود العنزي: يجب أن نعترف أنه لم يعد هناك مكان لبعض العادات الجميلة التي كانت سائدة آنذاك في الماضي القريب وذلك بسبب تغير الحياة عن السابق ولعل من هذه العادات والتقاليد التي افتقدناها شيئاً فشيئاً الترابط الاجتماعي الذي كان سائداً آنذاك في الماضي داخل المدينة الواحدة حيث كان الجار يعرف كل شيء عن جاره الذي بمجرد أن ينزل بجانبه فإنه يعتبره كالأخ والصديق فيساعده عند الحاجة ويشاركه آلامه وهمومه ويتعاون معه في حل مشكلات الناس من حوله، وعندما كان الرجل ينزل منزلاً جديداً في الحي فإن جيرانه يتسابقون كلهم إلى تكريمه ودعوته إلى الغداء وللعشاء حيث يقيمون له الولائم هو وأسرته على شكل ما يسمى عند أهل الشمال «النزالة»، فكان الضيف الجديد لا يمضي عليه أسبوع حتى يتكيف بسرعة مع بقية سكان الحي ويصبح جزءاً منهم بحيث يلعب الأطفال مع بعضهم وتتبادل النساء الزيارات بينهن ويجلس الرجال مع بعضهم يتبادلون أطراف الحديث ويتناقشون فيما بينهم في أمور حياتهم العملية والأسرية، بل حتى إن بعض النساء حينما تتشاجر مع زوجها وتكون أسرتها في مدينة بعيدة فإنها تلجأ وأطفالها إلى منزل جارها الذي يتدخل فوراً بما يستطيع من إصلاح وحل المشكلة بأية طريقة حيث كان الجار في السابق يمون على جيرانه ويعاقب أحياناً أطفالهم إذا بدر منهم سلوك مرفوض، لكن اليوم لو قام بذلك فإنه لن يسلم أبداً من لسان المرأة قبل زوجها، وقد تصل الأمور كذلك إلى أقسام الشرطة بسبب مشاجرة أطفال أونساء بينهن دون مراعاة لحقوق الجار.
دعا جاره للعشاء فغضب
- ويذكر أحد الشباب موقفاً حدث لأحد أصدقائه مع جاره حيث يقول فايز عيد الرويلي لقد حدثني ذات مرة أحد الأصدقاء بأن جاراً له قد نزل بقربه فأراد أخونا العزيز أن يقوم له بواجب الضيافة حيث ذهب لدعوته للعشاء فكان رد جاره الجديد أن تساءل من أين هذه المعرفة حتى يدعوه عنده للعشاء، فكانت وللأسف هذه هي الحقيقة التي أضحينا عليها اليوم بعد أن أصبح كل منا يقفل الباب على نفسه ولسان حاله يقول «يا جاري أنت بدارك وأنا بداري» دون أن يتدخل كل منهما بشؤون الآخر وذلك حتى لو رأى جاره يقع في معضلة ما فيدير له ظهره ويقول وأنا إيه علي منه، وهذا بالتأكيد ليس من خلق الفرد المسلم فالرسول صلى الله عليه وسلم أوصى بسابع جار وهو الذي قال «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه».
روابط كادت تنعدم
- ويشير حمود الأشجعي إلى أن للمدنية والتطور الحضاري دورا كبيرا في ابتعاد الناس عن بعضهم البعض بسبب توسع مجالات الحياة وتعقيدها وانشغال الفرد الدائم بعمله ومتابعة شؤون أسرته وأبنائه وتوفر وسائل الاتصالات الحديثة التي سهلت على الإنسان التحدث مع أقاربه وأصدقائه عن بعد دون الحاجة للزيارات العينية، مما أدى إلى إحداث فجوة كبيرة بين سائر أفراد المجتمع الواحد إلى درجة أنه كادت تنعدم فيها الصلات والروابط المتينة بين الناس، والتي أصبحت عند البعض منهم مرتبطة فقط بالمناسبات العامة والأعياد حيث يضطر فيها الشخص لزيارة المعارف والجيران والأصدقاء وتجسيد معنى صلة الرحم التي ابتعد عنها وللأسف الشديد كثير من الناس بحجة عدم توفر الوقت الكافي لها.
في الماضي
- ويقول صالح هلال: إنه في السابق لا يجد المرء صعوبة في التعرف على الجيران الجدد وذلك بحكم صغر المدن وانفتاح الأحياء على بعضها، أما اليوم فإن محاولة المرء للتعرف على ساكن الحي الجديد يعد عند الكثيرين من باب «الفضول» والتدخل في شؤون الغير، فأصبح الجار ينفر من جاره ويغلق على نفسه وأسرته الباب جيداً ويمنعهم من الاختلاط مع الناس بحجة عدم معرفة طباعهم وأفكارهم حيث ان الزمن في رأيه قد تغير عن الماضي بشكل كبير وأصبح يحمل معه في كل سنة تمر الكثير من المستجدات الصعبة التي ينبغي على الفرد الواعي الانتباه لها وعدم الانحراف مع تياراتها التي قد تقود للضياع.
دور العمد
- ويتمنى عبدالعزيز محمد أن يكون للعمد دور في إعادة الترابط الاجتماعي بين الأفراد القاطنين في الحي الواحد وذلك من خلال إقامة مجالس للأحياء يكون العمدة مسؤولاً عنها مسؤولية تامة، وتضم في جنباتها أعضاء من السكان بحيث ترتب هذه المجالس لإقامة الاجتماعات الدورية وتناقش احتياجات الحي وأحوال ساكنيه وحل مشاكله والتعريف بالجار الجديد حيث ان دور العمدة يجب أن يأخذ منحى كبيراً في المدينة وليس مجرد عمل ينحصر في زاوية ضيقة فقط لا تتعدى منح شهادات التعريف والختم، كما أنه يفترض على المدارس أن تنمي في طلابها جانب التعاون والتكافل مع الآخرين وحب التعرف وتكوين العلاقات الإنسانية التي تهدف إلى رص الصفوف وتقوية أواصر المحبة والترابط بين الناس، كما أن هذا العمل أيضاً من مسؤولية أئمة المساجد الذين يجب عليهم بث روح التسامح والمودة والإخاء بين أفراد الحي الواحد والجيران على اختلاف فئاتهم ومساعدة بعضهم البعض ضمن مبدأ الترابط الذي حث عليه الإسلام.
|