بكين عاصمة الصين، ويقطنها نحو أربعة عشر مليوناً من البشر، يعيشون في وئام ومحبة، ومنهم نحو مئتين وخمسين ألفاً من المسلمين، يملؤون في رمضان المساجد الكثيرة، والمترامية في أنحاء بكين. وعند الإفطار يجتمعون في المساجد على موائد متباينة، أصبح من المألوف في كثير منها أن تشمل بعض التمور الجيدة التي تقدم هدية من خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله ورعاه -، ومن صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز - سلَّمه الله -، اللذين دأبا على إرسال بعض التمور إلى الصين، جعلها الله في موازين حسناتهما.
أما الموائد الصينية فيتم إعدادها في مطاعم تابعة للمساجد حيث تشتمل المساجد على مطاعم تقدم الأكل الحلال في الغالب، كما أن هناك الكثير من المطاعم المحيطة بالمساجد التي يقتصر نشاطها على تقديم المأكل الحلال.
وبعد الانتهاء من الإفطار تقام صلاة المغرب، وبعد الصلاة يعود البعض إلى منازلهم، ويبقى البعض الآخر في المسجد يقرؤون القرآن الكريم، وفي كثير من المساجد توجد بعض المصاحف التي قدمت هدية من مطبعة الملك فهد للمصحف الشريف.
وهناك من يحاول حفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب، ومنهم من يعلِّم أولاده ذلك، وعند دخول وقت العشاء تقام الصلاة المفروضة، وبعدها يتقدم الإمام لإقامة صلاة التراويح، وجميع الأئمة صينيون تعلموا قراءة القرآن الكريم في المعاهد الإسلامية الصينية، أو في بعض البلاد العربية مثل المملكة أو مصر، وهم يصلون في الغالب عشرين ركعة، ومنهم من يصلي أقل من ذلك، ولا يطيل الإمام في قراءته، بل يقرأ قراءة مناسبة، أما مخارج الألفاظ فليست واضحة، كما يمكن أن تخرج من اللسان العربي الفصيح، وهم معذورون في ذلك، لكنها مع ذلك مفهومة لدى من اعتاد عليها، وهناك من الأئمة من يرتل القرآن الكريم ترتيلاً رائعاً، يتمنى سامعه، ألا يتوقف الإمام عن القراءة، وأغلب الأئمة حافظ للقرآن الكريم عن ظهر قلب، ومنهم من يحفظ جزءاً من القرآن، ويكرر ما يحفظه بين الفينة والأخرى، ونادراً ما يقرأ أحدهم في المصحف أثناء الصلاة، والمصلون هم من الشيب والشباب، ونادراً ما يرتاد الأطفال وصغار السن المساجد، وجل المصلين في المساجد الصينية صينيون، أما السفارات الإسلامية، فبعضها يقيم صلاة التراويح في السفارة أو في مكان مستأجر مؤقتاً لهذا الغرض، مثل سفارة المملكة العربية السعودية، التي يمتلئ المصلى الذي قامت باستئجاره بالمصلين من جميع الجنسيات، بما فيها الصينيون.
ولا تختلف ليالي رمضان عن سائر الليالي في بكين، لأنهم لا يغيِّرون مواعيد العمل أو عدد ساعاته، ولذا وجب النوم المبكر حتى يمكن الحضور إلى العمل في الوقت المحدد كما هي عادة الصينيين، والنساء يذهبن إلى المساجد في هذا الشهر الفضيل، لكن بعدد أقل من الرجال، ولا يلبسن زينتهن، بل يأتين محتشمات في ملبسهن، ويغادرن المسجد مع محارمهن أو فرادى بعد انتهاء الصلاة.
أما المسلمون من الأقطار العربية فقد اعتاد البعض منهم على الاجتماع بعد صلاة التراويح للترفيه بلعب الورق أو ممارسة الرياضة، ثم النوم المتأخر، كما هي عادتهم في بلدانهم، أما نهار بكين فلا يختلف عن الأيام الأخرى سوى أن المسلمين صائمون. وهكذا يكون رمضان في بكين كل عام.
(*) سفير المملكة في الصين
|