فتحت صحيفة الجزيرة باباً يتشوق القارئ إلى المزيد من المعرفة فيه، أشادت فيه بجهود وأعمال رجلين من قيادة هذه البلاد، لهما في القلوب مكانة، ولآثارهما في العطاء ما يدعو إلى الإشادة والإبانة، هما:
- خادم الحرمين الشريفين: الملك فهد بن عبدالعزيز في ملحق الجزيرة ليوم الجمعة 21 شعبان 1424هـ الخاص بمناسبة مرور 22 عاماً على مبايعة جلالته، حيث أبانت أعماله، عن علو قدره وإخلاصه.
- أمير منطقة الرياض: سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز في ملحق الجزيرة ليوم الثلاثاء 25 شعبان 1424هـ الخاص لمرور نصف قرن على تسنم سموه إمارة منطقة الرياض.
فاقترنت أعمال كثيرة، ومشروعات في البلاد كبيرة باسميهما تذكر فتشكر، وقد حرصت صحيفة الجزيرة في ملحقيها الآنفي الذكر بإطلالة عاجلة، على التذكير بما برز لكل منهما من أعمال جليلة، بانت منها جهودهما القيادية، واهتمامهما بكل نفع للإسلام والمسلمين، وخدمتهم في عباداتهم، عندما يفدون للحرمين الشريفين، ومناصرة قضاياهم في المحافل بما برز أثره لكل ذي بصيرة: سياسياً عند الأزمات واحتكام الأمور إدارياً بما ينفع الوطن والمواطن، فكان الملك فهد يعضده سمو ولي العهد الأمير عبدالله وسمو النائب الثاني الأمير سلطان، يترسمون خطى مؤسس هذا الكيان، وجامع شمل الأمة، بعد توفيق الله له الملك عبدالعزيز - رحمه الله -.
حيث سار أبناؤه من بعده على ذلك النهج، في حلقات منتظم عقدها، كل يزيد حسب موقعه في بناء ذلك الصرح بما يثبت دعائمه، ويؤصل أركانه.. حيث بدأ البلاد مع مسيرة الملك عبدالعزيز، التي بدأت مع إشراقة شمس يوم الخميس 5 شوال عام 1319هـ من خانة الصفر، في شتى مرافق الحياة، وفي مقدمتها التعليم وبناء الشخصية. فسار الموكب في خطوات ثابتة يزيد اللاحق عما بدأه السابق، بما يزيد البناء تألقاً، والآثار أعمالاً بارزة تتحدث عن نفسها، فخادم الحرمين الشريفين تبين أعماله التي أبرزت الجزيرة في ملحقها جانباً منها أنه ر جل دين ودنيا، ففي المجال الديني: تمثل جهوده رسالة المسلم الحقيقي: داعية للسلام، ومشروعات جبارة للحرمين الشريفين، في توسعة وخدمات ميسرة لكل وافد إليهما: حجاً وعمرة وزيارة لم يشهد التاريخ لها نظيراً، إلى جانب رعاية المصالح الإسلامية، والدفاع عن قضية فلسطين التي تبناها الملك عبدالعزيز في مناصرة جريئة لهذه القضية. وفي مبادرة السلام التي طرحها سمو الأمير عبدالله ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء في قمة بيروت، مع المساهمة في كل الجهود الرامية للحد من انتشار الأسلحة النووية، حيث تعتبر المملكة من أوائل الدول الموقعة على اتفاقية حظر الأسلحة النووية في باريس عام 1993م.
وإدارياً: بالرفع من مستوى التعليم في المملكة، واتساع دائرة انتشاره وتعميمه بعدما تولى خادم الحرمين الشريفين - سمو الأمير فهد - أول وزارة للمعارف، فاتسعت نظرته للمستقبل بما يسره من أسباب ومغريات للشباب للتسابق في أنواع المعرفة، فكانت تلك الحقبة إشراقة في ميداني الصحة والتعليم، بما لقيا من سموه من تسهيل وبسط للمغربات، وتشجيعاً للتنافس الشريف المثمر، فارتفع مؤشر الرسم البياني في الصحة والتعليم، بدفع من اليد الحانية البانية، حتى تحقق للوطن والمواطن في فترة وجيزة، ما لم تقطعه أمم أخرى في عشرة أضعافها كماً وكيفاً. حسبما بان من الأرقام والإحصاءات.
وفي عهد جلالته الذي اتسم بالتنظيم تشكل مجلس الشورى، وظهرت أنظمة الحكم ومنهج إدارة الدولة، وانعكس الجهد باهتمام خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد الأمير عبدالله وسمو النائب الثاني الأمير سلطان، وسمو الأمير نايف وزير الداخلية: على الحرس الوطني في ميداني الصحة والتعليم، وبالاهتمام العسكري تعليماً وتدريباً في وزارة الدفاع، وبالحراسة الأمنية والمسايرة العلمية الدقيقة في محاصرة الجريمة والإرهاب في وزارة الداخلية.
إنها حلقات يأخذ بعضها بحجز بعض، في مسيرة منتظمة، من جميع القيادات، تحت رعاية وتوجيه القيادة الحريصة على الارتقاء بالأمة، وحماية مقدراتها، وحراسة المبادئ الشرعية، تطبيقاً وتعليماً.
وهذا الجهد المتواصل قد حقق نجاحات متعددة في الارتقاء بالأهداف المنشودة: داخلياً باستراتيجية الزراعة والأمن الغذائي، حيث صار في عهده يقدم الفائض من المنتوج الزراعي إعانة للدول المستحقة، مما أعطى للمملكة شهادات دولية بما وصلت إليه من مكانة، فرح بها الصديق وأغاظت العدو.
- ويأتي الرجل الثاني: الذي تفتخر به مدينة الرياض، وتعتز بأعماله المتواصلة طوال فترة عمله أميراً لها حسب الأمر السامي من الملك سعود - رحمه الله - المؤرخ في 25 من شهر شعبان عام 1374هـ، الذي تعين به سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز أميراً للرياض خلفاً لأخيه سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز الذي استقال من إمارة الرياض بسبب مرضه. فكان سمو الأمير سلمان، في ذلك ابناً باراً بمدينة الرياض، اقترن اسمها باسمه، ومشروعاتها بجهوده، فألبسها خلال هذه الفترة، ولا يزال حللاً تزهو بها بين المدن، بإشرافه على تخطيطها وتنظيمها، حتى أصبحت زهرة متفتحة في قلب الصحراء.. ونالت مكانة بين المدن بشهادات وتقديرات.. حسناً وجمالاً وطرازاً معمارياً. لقد كانت الرياض هي هاجس سلمان بن عبدالعزيز، حيث ارتقى بها أفقه بعيد النظرة، خلال فترة زمنية قصيرة في عمر الزمن، لكنها فريدة في متابعة ما تحقق حيث: كانت مدينة صغيرة، محدودة المساحة، قاصرة الخدمات، وإذا بها، تشمخ بقفزات ثابتة التوجيه، إلى مدينة يعيش فيها أربعة ملايين نسمة، ميسرة لها الخدمات، متأنية في جمال التنظيم وتنسيق الحدائق، ومهيأة أسباب المدنية والرقي لكل وافد، حتى فازت بقيادة وبعد نظر هذا القائد الممسك بمسيرة البناء تضاهي العواصم العريقة، بل تأخذ قصب السبق علي أعرقها مكانة، وأقدمها تنظيماً، حيث سماها أحدهم معجزة الصحراء.
وقد تحدث الكاتبون في هذا الملحق، كل في مجاله، عن بصمات الأمير سلمان البارزة لمدينة الرياض سواء في المعمار، أو الخدمات، أو التعليم، أو الآثار والتاريخ أو حسن الإدارة ورعاية مصالح المواطن.
وكما هو المعتاد في المدن الكبيرة، أن تكون ملجأ لراغب العمل، وللفقير الذي ضاقت به قريته أو قصر به مرضه وألزمته حاجته، للبحث عما يعينه على مصاعب الحياة، فكان لسمو الأمير سلمان اهتمام ورعاية لهؤلاء الشريحة من أبناء المجتمع: رجالاً ونساء وأيتاماً و معاقين.. إذ كانت عينه الباصرة تحوطهم بالرعاية، ويده النزيهة تمتد إليهم بالإعانة: غذاء وكساء، وسكناً واهتماماً.. مستمداً هذا المنهج بحنوه ومتابعته، ومسترشداً في عمله الدؤوب المتواصل، بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم» وقوله: «والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» فكان قائداً وقدوة لجميع الجمعيات الخيرية، وكان داعياً و متابعاً لكل عمل خيري، فله بذلك الأجر الجزيل: لأن من دعا إلى خير فله مثل أجر فاعله، أعمال كثيرة وجهود متتابعة بلا كلل ولا ملل تذكر فتشكر، فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم
إن التشبه بالكرام فلاح.
أبو بكر وغزو الروم
حدث محيي الدين بن عربي بسنده إلى الأزدي البصري قال: لما انتهت الحروب من كل جانب إلى أبي بكر، وأذعنت العرب للإسلام، حدث نفسه بغزو الروم فأسر ذلك، ولم يطلع عليه أحد، فبينما هو في ذلك إذ جاء وشرحبيل بن حسنة، فقال: يا خليفة رسول الله أتحدث نفسك بغزو وبعث جند للشام، قال: نعم وما سألتني عنه إلا لشيء عندك؟ فقال: أجل إني رأيت فيما يرى النائم، كأنك في ناس من المسلمين فوق جبل، فأقبلت تمشي معهم، حتى صعدت على قبة، عالية على الجبل فأشرفت على الناس، ومعك أصحابك، ثم هبطت من تلك القبة، إلى أرض سهل دمثة، فيها القرى والعيون، والزرع والحصون، فقلت: يا معشر المسلمين شنوا الغارات على المشركين، فأنا ضامن لكم الفتح والغنيمة، وأنا فيهم ومعي راية، فتوجهت إلى قرية فدخلتها فسألوني الأمان فأمنتهم، ثم جئت فوجدتك، قد انتهيت إلى حصن عظيم ففتح لك، وألقوا إليك السلم، وجعل لك عرش، فجلست عليه، ثم قيل لك: قاتل يفتح الله لك وتنصر، فاشكر ربك واعمل بطاعته، ثم قرأ عليك سورة النصر، ثم انتبهت.
فدمعت عينا أبي بكر وقال: إنما الجبل الذي رأيتنا نمشي عليه، حتى صعدنا إلى القبة العالية، فأشرفنا على الناس، فإنا نكابد من أمر هذا الجند مشقة ويكابدونا، ثم يعلو أمرنا، وإن نزولنا من القبة العالية إلى الأرض السهلة الدمثة، والزروع والحصون والعيون والقرى، فإننا ننزل إلى أمر أسهل مما كنا فيه من الخصب والمعاش.
وأما قولي: شنوا عليهم الغارة، فإني ضامن لكم بالفتح والغنيمة، فإن ذلك توجهي للمسلمين إلى بلاد المشركين، وأمري إياهم بالجهاد في سبيل الله، وأما الراية التي كانت معك، فتوجهت بها إلى قرية من قراهم، فدخلتها فاستأمنوك، فأمنتهم، فإنك تكون أحد أمراء المسلمين، ويفتح الله على يديك، وأما الحصن الذي فتح الله على يدي، فهو ذلك يفتح الله على يدي، وأما العرش الذي رأيتني جالساً عليه، يرفعني الله ويضع المشركين، وأما أمري بطاعة ربي، وقرأ علي هذه السورة: {إذّا جّاءّ نّصًرٍ الله..}، فإنه نعيي إلى نفسي، فإن هذه السورة حين أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، علم أن نفسه نعيت إليه، ثم سالت عينا أبي بكر بالدموع رضي الله عنه «محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار 2: 495 - 496».
|