المستر والمسز النقهاوس، شخصيتان أمريكيتان بارزتان في مدينة بولدر بولاية كلورادو الأمريكية، عرفتهما عام 1964 في الرياض، وكانا في زيارة للمملكة، ثم قدر لي أن أزورهما في بولدر في رحلتي الأخيرة إلى الولايات المتحدة وأن أنزل أنا وابني أحمد وزوجته وابنتهما ضيوفاً لأربعة أيام عليهما في بيتهما الجميل الحديث الرائع القائم على شبه ربوة.
نزلنا بادئ الأمر في موتيل «الصبي الكسلان» (هكذا اسمه بالعربية) وهو موتيل نظيف أنيق، والموتيلات والفنادق في أمريكا تتبارى في النظافة وسرعة الخدمة والاهتمام بالنزلاء بعكس فنادق بلجيكا وبلجيكا بالذات في الغرب.
واتصلت بدار النقهاوس هاتفياً فوجدت زوجته وأخبرتها أننا في البلد وفي موتيل «الصبي الكسلان» فجن جنونها وراحت تحتج على نزولنا في فندق وقد جهزا لنا الضيافة الملحقة «بقصرهم» وجاءت إلينا حيث ننزل وهي غاضبة..
لم يكن بوسعنا إلا الرضوخ لرغبتها بعد أن جئناها بأعذار لم تكن صادقة جعلتنا نقصد الموتيل.
ولا أريد هنا التحدث عن كرم آل النقهاوس والكرم في غرب وأواسط أمريكا أمر مشهود ولكنني أحب أن يعرف القراء أن في الولايات المتحدة الأمريكية أسراً تفتح بيوتها للعرب عامة وللسعوديين خاصة وتجيء أسرة آل النقهاوس في المقدمة.
وأسرة النقهاوس، فريد الزوج، وكاثلين الزوجة، وجو الابن ونانسي الابنة، أسرة محترمة جداً، ذات تقاليد متوارثة وأدب جم وخلق رفيع، تعد مثالاً مشرفاً للأسرة الأمريكية المحترمة.
وتجيء هذه الأسرة في طليعة الأسر الأمريكية التي تعطف على القضية العربية الكبرى بدافع من نزاهتها، دون أبهة بما ينالها من عنت الصهيونية الدولية، كما أن لآل النقهاوس معرفة بما قطعته بلادنا من تقدم وازدهار بفضل هذه القيادة الرشيدة من جلالة الملك فيصل، كما أن لهم عدة أصدقاء في هذه البلاد وغيرها من بلدان العالم في الشرق وفي الغرب.
وللزوجين مآخذ على العرب، ومن تلك المآخذ التي أستطيع الافصاح عنها، قولهما أن العرب لم يبذلوا كبير جهد مخلص في سبيل اسماع الغربيين لاسيما الأمريكيين عن عدالة قضيتهم «انكم العرب تبتعدون عن الأمريكيين بدعوى أنهم أعداء لكم فلا تحاولون مجرد التحدث إليهم عن قضيتكم، وذلك عن ما تريده الصهيونية الدولية» هكذا قالا!!
وقالا.. لقد اشتغلتم بقضايا جانبية تافهة جداً قادتكم إلى أن يقتل بعضكم بعضاً وبهذا وضعتم دليلاً ملموصاً في يد الصهاينة بأن الذين لايستطيعون العيش بسلام مع بعضهم بعضا، وهم عرب، لا يرضون العيش بسلام مع اليهود!
ولقد مكناني من التحدث في نادي كوانس الدولي في بولدر إلى جمع غفير من الأطباء والأساتذة والمحامين ورجال المصارف والأعمال عن هذا البلد الطيب وما يسوده من أنس ورخاء وهدوء واستقرار وعن صلتنا بالحاكمين وصلة الحاكمين بنا وكذلك عن التعليم وما قطعناه من خطوات في هذا المضمار.
ولقد والله مارضيت عن نفسي في رحلة من رحلات كما رضيت عنها في هذه المرة.. كان شعوري شعور رجل وفي بعض دين عليه!!
والحقيقة التي ينبغي أن أوردها هنا هو أنه من غير العقل أن يعتبر كل الأمريكان أعداء للعرب.
الواقع غير ذلك
أن تسعة من عشرة منهم يعلم ما حل بالعرب من ظلم ولا يرضونه ونصف العشرة صهيوني الآراء بفعل الدعاية الصهيونية الماهرة الماكرة والنصف الباقي من العشر لا يهمه من الأمر شيء.
والشاب الأمريكي الذي يظنه البعض مستهتراً متهوراً يقود سيارته في سرعة مجنونة، وجدته محترماً جاداً يوزع أوقاته في حكمة واتزان يعمل في جد ومثابرة سواء أكان دارساً أم غير دارس ليؤمن لنفسه حياة سعيدة بهجة تقوم على العلم والمعرفة. أجل هناك «هيبيز» ولكنهم قلة ضئيلة جداً ولا يصح أن نعتبرهم عنواناً للشباب الأمريكي.
لقد أكبرت جو ابن السيد والسيدة النقهاوس جداً لسلوكه المستقيم وعمله الدائم في سبيل ارضاء والديه، واتزانه في تصرفاته وانكبابه على دروسه، شأن كل من قابلت من الشباب في أمريكا.
ولقد جعلني أشعر بالزهو اجماع الشباب الأمريكي الذين يعرفون من يدرس من هذه البلاد هناك على أن الشاب السعودي «شاب رجل مجد جاد».
وفي شارع الوشم في الرياض أبعث بتحياتي الخالصة إلى آل النقهاوس وإلى كل هؤلاء الذين استمعوا إلي أتحدث عن بلدي في كلورادو واريزونا وتكساس ونيو مكسيكو ونيفادا وكانوا يتصدون لمن يحاول تعكير الجو أمام أحاديثي.
في واشنطن
في واشنطن فندق مديره عربي وكاتبه عربي ونزله عربي قادتني إليه الصدف من مطار واشنطن.
اسمه فندق «ابت»..
أغضبني فيه شاب عربي عاش مع اليهود طويلا كما أخبرني مديرالفندق معتذراً. غير أن الجو العربي الذي يحيط بالمكان ودماثة خلق المدير وشاب عربي آخر اسمه ناجي كل أولئك يبعث الرضا إلى نفس العربي حين ينزل هذا الفندق انك تجد في ناجي هذا ابنا أو أخا وحسبتني وأنا في واشنطن أني في جدة أو الرياض ذلك لأنني رحت أسمع أصوات «بواري» السيارات لأول مرة منذ أن غادرت جدة.
طاط. طاط. طيط طيط. «دوشة» تتميز بها شوارع واشنطن ولا أقولها لأرضي سائقينا ولكنها الحقيقة الواقعة في واشنطن وسلمت الرياض وجدة!!
وفي روما كنت أزور الصديق الشهم الأستاذ عبدالله فطاني الملحق الثقافي السعودي في ايطاليا وتعرفت في مكتبه إلى «فنان من بلدي» الأستاذ ضياء عزيز ضياء ورأيت من عمله صورة زيتية لجلالة الملك الراحل عبدالعزيز تكاد تنطق.. ما رأيت في حياتي أصدق ولاأكثر تعبيراً منها.. لقد كان فناننا صغيراً حينما توفى الملك عبدالعزيز رحمه الله ومع ذلك فقد استطاعت ريشته أن ترسم أصدق صورة للملك الراحل ولقد والله خشيت عليه وأنا أنظر إلى تلك الصورة الرائعة، أن يكون منه ما كان من ميخائيل انجليو.
وما وجدت في رحلتي هذه بلدا يشعر فيه السائح بالهدوء والراحة النفسية والاطمئنان كما شعرت به في أثينا، عاصمة اليونان.
انك تجد المعاملة الحسنة في الجمرك وفي الجوازات وفي كل مكان تقصده. ولقد ساقتني الصدف كذلك إلى فندق «هرمسي» فوجدته «رخيصاً» جداً ونظيفاً وبه عناية فائقة بالنزلاء من كل عامل فيه، من المدير إلى البواب.
صورة
لايحمل حتى الابتدائية، وكل خطه من علم أنه «يفكك الخط» ومع ذلك فإن نفسه تطوع له أن يتحدث عن الأدب والأدباء الأموات والأحياء.
كل مجتمع لا يخلو من أدعياء مثل هذا المخلوق غير أن الجرم هو جرم أولئك الذين يستمعون إليه، ذلك لأن مجرد الاستماع إليه يوهمه بأنه أديب ذكي ألمعي.. لماذا لا نعمل على فضح هؤلاء؟!!
همسة
هاو آر يو أستاذ باري. أوحشتنا فرى متش - أنا معجب بأسلوبك الساخر الذي لا يخلو من فلسفة ذات طابع محلي خاص. أي ضربت في الظهيرة عن نصرها.
كان يو هلب مي في فضح هؤلاء اللصوص والأدعياء.
انتل ذن باي باي.
|