من الأمور البغيضة والمقيتة في الوقت نفسه التي بكل أسف أضحت متداولة بين الناس، وانتشر هشيمها أيضا عبر التقنية، وتحديداً من خلال أجهزة الجوال المنتشرة، التي يتم استخدامها استخداماً خاطئاً، التنابز بالألقاب.
وليتهم اطفال لكان الامر هيناً وقلنا إنهم صغار وغير مدركين، ولكن تجد الرجل طول بعرض (ويمش على زنده الفيل)، يبعث برسالة أو بالأحرى طرفة سخيفة مفعمة بالتهكم والسخرية وتنم عن جهل مطبق ووعي مغلق وادراك محدود، ومن المعلوم ما لهذا الداء من آثار سلبية تعصف بأواصر المحبة، وتفتك بجذور الألفة وتطرح باحترام النفس أرضاً، مثيرة بذلك الضغائن والفرقة، ومذكية التنافر بين أبناء الأمة الواحدة، ويساهم في تنمية الكره في النفوس، وقد يستعملها البعض معتقداً بأنها لا تعدو عن كونها ترفيهاً عن النفس، أي ترفيه هذا؟ بل أي سقوط في أوحال الخطيئة وتمزيق للأخلاق شر ممزق، وعندما يعجز الإنسان عن حماية أخلاقه وصيانتها من الرذيلة فإنه سيصبح صيداً سهلاً ليتسنى لإبليس اللعين غرس مخالبه، في أعماق النفس، حينما يكون ضعف الإيمان جسراً سهلاً لعبور مخالبه النتنة، وتحقيق مآربه، وقد يعتقد البعض أيضاً وهو قطعاً اعتقاد مجانب للصواب بأن هذه المعصية صغيرة، وهذا لعمري من وساوس الشيطان، ومن يستمرئ ارتكاب المعاصي الصغيرة، فإن الكبير سيصغر طالما استمر في غيه ومجونه وقيل (لا تنظر إلى صغر المعصية ولكن انظر إلى من عصيت) وإذا كان تقدير المخاطر وغالباً ما يستخدم هذا المصطلح من قبل الاقتصاديين، يتعلق بالاستثمار فإن الاستثمار الحقيقي مع الله وتقدير المخاطر في الاستثمار هو الأولى والأجدى والأنفع والأبقى والحياة كلها استثمار، والكيس الفطن من يستثمرها بالشكل الصحيح ممتثلاً لأوامر الخالق جل وعلا ومجتنباً لنواهيه، وإذا كان رجال الأعمال والتجار لم يبلغوا ما بلغوه بعد جهد جهيد وبعدما أضناهم الشقاء والتعب فتجدهم في بداياتهم يهتمون ويحرصون أشد الحرص على المبالغ الصغيرة، لتتضاعف وتصبح فيما بعد كبيرة، ونتيجة لهذا الحرص بلغوا ما بلغوا، ويقول المثل الشعبي (لو لا دقاق المال ما جا جلاله).
والاستثمارات المالية تتعرض لهزات، ربما لانخفاض السلع، أو قلة الطلب وكذلك سوء التقدير، وعدم استشعار المخاطر جيداً، والدخول في صفقات لم تتم دراسة جدواها الاقتصادية بشكل سليم، بيد أن الاستثمار الحقيقي بلا ريب هو المسارعة في عمل الخيرات من قول وعمل، واضافة الرصيد من الحسنات، وكما أن هؤلاء التجار قد بدؤوا من الصفر بجمع دقاق المال، فحري بك أن تحرص وتحافظ على حسناتك، بل تساهم في زيادتها لا في فقدانها الواحدة تلو الاخرى، فإذا استصغر الإنسان الخطأ فإن الصغير مع الصغير يكبر، وقد يكون الطريق سهلاً مهيئاً المناخ لعمل خطأ اكبر، فإذا استهوت النفس الذنوب الصغيرة بايعاز من إبليس اللعين فإنها قد تجرؤ على ارتكاب الذنوب الكبيرة، لا سيما أن هناك من يتربص بها وهو الشيطان - لعنه الله- فيوسوس لها بأن هذا العمل سهل ومن صغائر الذنوب، إلا أن كل عمل صغيراً كان أم كبيراً عند الله محسوب قال تعالى: { وّكٍلٍَ شّيًءُ عٌندّهٍ بٌمٌقًدّارُ )عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ) } فما من خير إلا ودلنا هذا الدين القيم عليه، وما من شر إلا ونهانا عنه، والتنابز بالألقاب، وبكل أسف أصبح شائعاً بين الناس، فإذا كنت تريد اضحاك الناس لتستميل قلوبهم، فإنه يجب ألا يكون على حساب قيمك ومبادئك، فنحن ولله الحمد في هذا البلد الطيب المبارك أخلاقنا فاضلة واستقيناها من ديننا الحنيف وتربيتنا المبنية على الادب تأبى أن تكون عرضة للإسفاف والسقوط، ولم نعهد هذه الممارسات من قبل، فآباؤنا وأجدادنا كانوا يتسمون بالأدب حتي في مجال الضحك والابتسامة، فما الذي يمنع وعلى سبيل المثال بأن تقول فلان من الناس، واحد من الناس، واحد ساذج بمعزل عن التجريح، وذكر الألقاب، ولك أن تتخيل وقعه النفسي السيئ على من يندرج تحت هذا اللقب أو ذاك وقد تدور الدوائر وتكون أنت كبش الفداء، كما كنت قد جعلتهم مضغة في فمك، فإذا كنت لا ترغب في أن يساء إليك فلا تبادر بالإساءة للآخرين، وثق بأن الذين أضحكتهم عبر التهكم والسخرية لم يضحكوا لبراعتك في صياغة الطرفة، بل ضحكوا عليك لأنك اصبحت مهرجاً أخرق وألعوبة تميل بك الريح كلما (استخفيت دمك) لينفض الاجتماع وتهوى بك الريح إلي حيث أطلقت العنان للسانك فإن كانت أصبت أحداً من البشر فإن الوزر لن يحمله أحد غيرك، وحصاد لسانك لن يكتوي بناره غيرك وستقف أمام عزيز مقتدر يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها.
|