مؤسسات أو جمعيات النفع العام... هي الفارس الثالث من فرسان التنمية مع القطاع الخاص والقطاع الحكومي.. هذه الجمعيات هي التي تقدم خدمات تطوعية للمجتمع المدني في المملكة .. من منطلق علمي، ثقافي، مهني، خيري، إغاثي، علاجي، دعوي.. إلخ.
جمعية المهندسين مثلاً جمعية نفع عام.. فهي تقوم أو يفترض أن تقوم بدور تنظيم المهنة.. وربط العاملين بها والإشراف على كل ما يهم منتسبيها مهنياً أو أخلاقيا.. وقس على ذلك جمعيات الصيادلة والمسوقين والمحاسبين.. وغيرها.
هذه الجمعيات المهنية كما هو معلوم لدى المهتمين تتفاوت في القوة والضعف .. ويغلب عليها الفقر المادي.. لذلك لم تستطع أن تقوم بمهماتها .. لكن لا شك في أن نشاطها ووجودها خير من عدمها. من ناحية أخرى جمعيات الإغاثة والدعوة.. التي هي أحد فروع جمعيات النفع العام ازدهرت بشكل كبير حتى غطت كل العالم الإسلامي من ناحية الدعوة والإرشاد.. وغطت كل المناطق الإسلامية المنكوبة سياسياً أو بيئياً بالإغاثة من مأكل ومشرب وعلاج وإسكان وبناء مساجد... هذه الجمعيات بلغ تأثيرها درجة تجاوزت به حدود دورها في البلدان التي عملت فيها.
كيف ضعفت الجمعيات العلمية والثقافية والمهنية إلى حد انعدام الفائدة منها تقريبا.. وازدهرت الجمعيات الدعوية والإغاثية إلى حد التأثير في دول، وأحداث كثيرة؟
هناك من يقول إنه المال.. فنحن في المملكة والخليج مجتمع متدين.. والدين ارتبط في ذهن المجتمع ككل بالتعبد، والبحث عن أجر الآخرة.. لذلك انصبت التبرعات والزكوات والصدقات والاوقاف في خدمة جمعيات الدعوة والإغاثة.. وحرمت منه الجمعيات العلمية والمهنية وغيرها من جمعيات النفع العام الأخرى.. وكمثال، فميزانية جمعية الصيادلة السعوديين أقل من خمسين ألف ريال.. بينما ميزانية أكبر جمعيةدعوية تتجاوز المليار ريال.
قوة جمعيات الدعوة.. مقابل ضعف الجمعيات المهنية.. جعل الانطباع السائد لدى الناس جميعاً أن المقصود بجمعيات النفع العام هي جمعيات الدعوة والإغاثة.
وارتبط بالاذهان أيضاً أن الدعوة ملازمة للإغاثة رغم انهما نشاطان مختلفان ومستقلان.. فالإغاثة إحدى وسائل الدعوة في بعض الأحيان.. لذلك نجد أن القائمين على نشاطات الإغاثة هم أنفسهم القائمون على نشاطات الدعوة.. وان المتبرع لتلك الجمعيات لا يفرق ولا يحدد أين يذهب تبرعه.
لماذا نجح القائمون على الجمعيات الدعوية في تنمية مواردهم، وفشل القائمون على الجمعيات الأخرى؟.. أريد أن أتجرأ وأذكر بعض الأسباب.. التي ربما تثير الاعتراض.. لكن الزمن هو زمن الحوار... وجريدة الجزيرة يمكن أن تكون ساحة الحوار... ففي رأيي أن سبب نجاح الجمعيات الدعوية في تنمية مواردها هو:
- الاستفادة بشكل كبير من توظيف الرسائل والتوجيهات الواردة في القرآن والسنة.
- ثقة المتبرعين بالمتدينين.
- وفرة الراغبين في العمل التطوعي ودافعهم الأجر والثواب في الآخرة.
- التنسيق بين القائمين على الجمعيات الدعوية وتبادل الخبرات.
- الأعمال الدعوية ربطت بالأعمال الخيرية .. وهذا الربط خدمها بشكل كبير في المجتمع من خلال مناهج التعليم، والإعلام المحلي.. ويتم تقديمها في المناهج ووسائل الإعلام بشكل مثير للعواطف مجيش للمشاعر.
بينما فشلت الجمعيات العلمية والمهنية في تنمية مواردها.. للأسباب التالية:
- عدم الاستفادة من توظيف الرسائل والتوجيهات الواردة في القرآن والسنة.
- عدم استيعاب المجتمع لأهمية دورهم.
- قلة الراغبين بالعمل التطوعي.. لضعف الدافع وانعدام الحافز.
- ضعف الخطاب الموجه إلى المتبرعين المستهدفين.
- ضعف الاستجابة من (المتبرعين) ولد الإحباط لدى (المتطوعين) ودفعهم إلى التوقف وعدم الاستمرار في العمل التطوعي.
- لا يوجد أي تنسيق أو تعاون بين القائمين على الجمعيات المهنية والعلمية.
المملكة تحتضن أكبر مؤسسات النفع العام في العالمين العربي والإسلامي وهذه تخصصت في الدعوة والإغاثة .. كما ركزت جهودها في العمل خارج المملكة.
الجمعيات الخيرية في المملكة يمكن لها أن تتجه إلى سد ثغرة نحن في أمس الحاجة لسدها الآن.. وهي التوجه للعمل التنموي من خلال تأهيل الموارد البشرية للعمل والإنتاج والمشاركة في دعم المشاريع التي توجد فرص عمل وتبني مؤسسة الإنتاج في وطننا الكبير.
|