كافة الشهور لون واحد، إلا شهر رمضان المبارك، فهو لون مختلف، ففي هذا الشهر، يتغير دوام المدارس والدواوين، وفيه تنقلب أمزجة بعض الناس نهاراً، وفيه تتوقف حفلات الزواج، والرحلات الخارجية لعدل المزاج أو الترويح عن النفس، وفي هذا الشهر تصبح موائد الأكل الثلاث، مائدتين فقط، لكن هاتين المائدتين، بهما من الأكل ما لذ وطاب وأتخم، حتى إن الإنسان المسلم، بدلاً من أن ينقص وزنه في رمضان، تجده يزيد ويزيد، بفضل المقبلات من المخللات والبقلاوات والمهلبيات والكبسات، وفوقها ألوان الألبان.
وفي هذا الشهر الفضيل - أعاده الله علينا وعليكم باليمن والبركات- تقل إنتاجية الموظف، بل إن بعض الموظفين، ينقل ما تبقى من حصة وسادة غرفة النوم، إلى غرفة المكتب، وبدلا من أن يرق ويبش للمراجع، في هذا الشهر الفضيل، نجد أن الهش والبش، للوسادة، وإذا خرج مراجع عن طوره، وهو يرى الوسادة، تأخذ الوقت الذي من المفروض أن يعطيه له الموظف، فإننا نجد هذا الصائم يتحول إلى أسد هصور، وغالباً ما يختتم شتائمه أو تكشيرته بالقول المأثور في هذا الشهر الفضيل: وهو «اللهم إني صائم»!!، وعلى المتضرر من المراجعين إما الصبر والاحتساب وأما الشكوى، لكن السؤال الذي يتبادر هنا لمن يشكو، والوسائد المنقولة من غرفة النوم بعدد الموظفين؟!.
هذا الموظف الذي يحيل مكتبه في الوزارة أو المصلحة أو الشركة، إلى فرع لغرفةالنوم، ينقلب حاله حالما تنتهي صلاة التراويح، حيث تمتلئ المقاهي والمنازل والملاعب، بألوان المتع بعضها لا معنى له وبعضها لها أكثر من معنى، لكن كل ذلك لا معنى له إذا كان الصائم لا يقوم بواجباته التي أؤتمن عليها وأخذ عنها أجراً كما ينبغي، إنه دون أن يدري يخل بواجب يحث عليه الدين مثلما يحث على الصوم والصلاة، فالسهر على المقهى أو على جلسة بلوت أو لعبة كرة القدم، كلها أمور مقبولة، لكن بشرط ألا يقابلها صد عن أداء واجب خدمة الناس!.
وأبقى مع رمضان ومباهجه التي تبدأ بعد صلاة العصر، حيث ينطلق الجميع في هذا الوقت بالذات باتجاه الأسواق خصوصاً محلات الخبز والفول، حيث هناك قد تدور معارك لا تبقي ولا تذر، أحياناً بسبب مواقف السيارات، وأحياناً بسبب التزاحم وأحياناً بدون سبب، فهذه الفترة الحرجة، التي تسبق فترة (الوناسة) المسائية وقبلها فترة مقابلة (العيش) تتميز بصبغها الصائم بحساسية فائقة، وكل صائم تتطور حساسيته حسب وضعه الخاص، فمنهم الذي تدنى لديه النيكوتين إلى أقصى درجاته، ومنهم الذي يعاني من بعض الأمراض التي تجعله عصبياً، وحاداً إذا تأخر عنه القوت، ومنهم المتعود على زيارة القدور والثلاجة والبوفيه في كل وقت، هؤلاء يستحسن عدم الاقتراب منهم في فترات الصوم -نهاراً في وظائفهم وعصراً في الأسواق - نقول هذا ونحن نعرف أن الصوم يرقق النفوس، ويسمو بالبطون، وفوق ذلك كله هو فرصة للتقرب أكثر وأكثر، والبعد عن سفاسف الدنيا وملذاتها!
ولن أقول لكم ماذا كنا نأكل قديما، لكن يكفي الإشارة، إلى أن الناس في رمضاننا ذاك - الذي كان يخلو من الدشات والمقاهي وحلقات البلوت- كنا نتناول قدحاً من الشوربة والتمر والماء- وبعد ساعتين نتناول الوجبة اليومية التي كنا نأخذها ظهراً في الإفطار، وننام مبكرين، ثم نستيقظ للسحور والصلاة، وهناك من يذهب إلى عمله بعد صلاة الفجر مباشرة حتى أذان الظهر، ثم يعود للقيلولة، وبعد العصر يخرج كما يخرجون الآن، لشراء الخبز والفول والطعمية والسمبوسة، وغيرها من خيرات الأرض، مع فارق واحد هو أن أولئك الناس نادراً ما يتشاجرون أو يثورون لأتفه الأسباب، فالنفوس كانت هادئة وهانئة، فالبطون لا تمتلئ والدماغ كذلك بأتفه الأمور..
وكل عام وأنتم بخير.. طالما تؤدون حقوق هذا العام كما ينبغي خصوصاً في هذاالشهر...
فاكس 4533173
|