Tuesday 28th october,2003 11352العدد الثلاثاء 2 ,رمضان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

12/1/1391هـ الموافق 9/3/1971م العدد 333 12/1/1391هـ الموافق 9/3/1971م العدد 333
أحب شوقي
بقلم د. حسني الظاهر / الرياض

نعم أنا أحب شوقي من غير قيد ولا شرط لأني أهتز وأطرب لما يقول ولا أقدمه على شعراء عصره فحسب ولكني أراه في مرتبة الفحول الأولين بل انه يبزهم جميعا من غير أن أستثني أحداً منهم في الكثير من قصائده بل في معارضاته، ولقد توج شوقي عبقريته الفذة بمسرحياته التي تعتبر فتحا في الشعر العربي والتي تكفي وحدها لتجعله ليس أمير الشعر العربي بل ملكاً له، ولو عاش شوقي في زمن المتنبي لشغل الناس وفتنهم كما يقول المتنبي في قصائده:


أنام ملء جفوني عن شواردها
ويسهر الخلق جراها ويختصم

إن عبقرية شوقي تجعله فريداً وفذاً بين شعراء العربية منذ قال العرب الشعر وكم وددت أن أكون من المطلعين على الدراسات الأدبية لأفتح ديوانه وأجلو من شواهد عبقريته ولكني طبيب أكثر جهدي ووقتي للناس وأنا حين يصار إلى الفنون أضع عقلي في جيبي وأفتح قلبي، وأنا يضايقني الكثير من شعر أبي تمام ويضايقني شعر العقاد، وما زلت في عجب من تقديم الدكتور طه حسين لأبي تمام على شعراء زمانه وتقديم العقاد على شعراء جيلنا. إن أبا تمام و أن العقاد من شعراء العقل، شعراء الصناعة وهي عناء وتكلف وليس من شعراء الطبع وهو سهولة وعطاء سمح.. ألم يقل المتنبي أنا وأبو تمام حكيمان وأنما الشاعر البحتري. لقد عاصر شوقي بمصر ولبنان والشام والعراق والأقطار العربية الأخرى شعراء كباراً ولكنهم لم يعارضوا في رئاسة شوقي، بل دانوا له وقلدوه إمارة الشعر في حفلة الأوبرا العظيمة بمصر التي غصت ليلة الحفل بقمم الأدب العربي من شعراء وخطباء وكتاب ووزراء في مهرجان رائع لم تر له العواصم العربية مثيلاً.. وجلبت وفود الدول العربية للشاعر العظيم هدايا رمزية من مصوغات الذهب واللؤلؤ والأحجار الكريمة إعراباً عن حبها وتقديرها واعتزازها بالشاعر الذي غنى أمجاد العرب والإسلام طيلة حياته، ولقد اهتز مبنى الأوبرا بالهتاف والتصفيق عندما أعلن الشاعر حافظ إبراهيم شوقي أميراً للشعر العربي وهو يتلو من قصيدته قوله:


أمير القوافي قد أتيت مبايعا
وهذي وفود الشرق قد بايعت معي

إني لا أتردد في موافقة الذين يقولون إن في بعض شعر شوقي ضعفاً وإسفافاً، ولكن هذه الحال واردة وصحيحة في إنتاج كل الشعراء وكل الفنانين رسامين وغير رسامين لأنها حقيقة في الجبلة البشرية، وكل الفنانين يدركون أنهم يحلقون أحياناً ويسفون أحيانا أخرى على قدر حظوظهم من وحي شياطينهم إذا صح أن للعبقريات شياطيناً توحي وتلهم، وشوقي حين يعلو ويحلق يأتي بالعجب العجاب.
أخذ شوقي واستحى أن أقول سرق، أخذ من البحتري شيئاً يسيراً من قوله للمتوكل:


أيها العاتب الذي ليس يرضى
نم هنيئاً فلست أطعم غمضا

وجاءنا يعارض ببيته الرائع الحسن البديع الرقيق الغزل فقال:


يا ناعس الطرف لاذقت الهوى أبداً
أسهرت مضناك في حفظ الهوى فنم

وإني أعترف بأن سينية شوقي التي بعث بها من منفاه بالأندلس لمصر ويبدؤها بقوله:


اختلاف النهار والليل ينسي
ارجعا لي الصبا وأيام أنسي

جاءت دون مستوى سينية البحتري وأن شوقي أخذ من سينية البحتري أكثر من معنى وعجز عن التغطية ولكنه جاء في سينيته ببعض المعاني الجديدة كما في قوله:


لفتى يرجل وقلبي شراع
فيه بالدموع سيري وأرسي
وطني لو شغلت بالخلد عنه
نازعتني إليه في الخلد نفسي

قلت إني لا أحب أبا تمام وإن كنت أحني رأسي إكباراً وإجلالا أمام مرثيته الرائعة في محمد بن حميد الطوسي التي مطلعها:


كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر
فليس لعين لم يفض ماؤها عذر

ومنها أيضاً:


توفيت الآمال بعد محمد
وأصبح في شغل عن السفر السفر

إلى أن يقول:


وقد كان فوت الموت سهلا فرده
إليه الحفاظ المر والخلق الوعر
فتى مات بين الطعن والضرب ميتة
تقوم مقام النصران فاته النصر
فتى كان عذب الروح لافي غضاضة
ولكن كبرا أن يقال به كبر

هذه القصيرة كل لفظ من ألفاظها ينبض نبضا وكل بيت من أبياتها يحمل مضمونا ضخما، إنها سلسلة من اللوحات الفنية وما أعلم أني قرأت شعراً له هذه القوة وهذا السحر في تصوير المعاني الإنسانية.
إن أبا تمام في هذه القصيدة عملاق من العمالقة ولأبي تمام قصيدة أخرى يعتبرها الباحثون في الأدب من روائعه وهي في فتح عمورية.. يبدؤها بقوله:


السيف أصدق أنباء من الكتب
في حده الفصل بين الجد واللعب

ومنها:


بيض الصفائح لاسود الصحائف في
متونهن جلاء الشك والريب

ولقد عارض شوقي هذه القصيدة بقصيدته التي حيا بها انتصار الغازي مصطفى كمال أتاتورك في معركة سقاربا على اليونان ومطلعها:


الله أكبر كم في الحرب من عجب
يا خالد الترك جدد خالد العرب

وأدعو القراء إلى أن يقفوا معي أمام ضخامة المضمون في قوله: «يا خالد الترك جدد خالد العرب» وما أدرى أمة من الأمم يمكن أن تحظى بتحية في تمجيد عبقريتها الحربية والعقائدية أعظم من هذه التحية. إن الحديث عن شوقي يحمل إلى ذكرى ندوات بمصر وبمكة المكرمة عن عظمة شوقي وكان من أمتعها الندوات التي كان يحضرها المرحوم الشاعر الراوية محمد مصطفى حمام وكان يستظهر كل شعر شوقي وأطرافاً من مسرحياته وكانت له تعليقات فنية تدل على ملكات أدبية رفيعة مرهفة. أما مسرحيات شوقي فتستحق حديثا منفردا أو عدة أحاديث وهي قمة إنتاجه بل هي معجزته الفنية لأنها جمعت في قوة عالية كل خصائص فنون القصيدة، ولو أني كنت وزير معارف في بلد عربي لعرضت على طلبة القسم الثانوي الأدبي في كل عام استظهار مسرحية من هذه المسرحيات على غرار ما تصنع فرنسا في مدارسها.
هذا هو شعوري تلقاء شوقي «وبالقلب لا بالعين يبصر ذو الحب»، وكم أود أن يتناول الأدباء شوقي بالدرس والتحليل لفائدة القراء من غير أن يتعمدوا الرد على مخالفيهم حتى لا تتحول الأبحاث إلى مبارزات وتحديات وأحب أن أرشح الأستاذ الدكتور محمد عبدالمنعم خفاجي لافتتاح هذه السلسلة، فإن مقالته عن ديوان الشاعر عدنان مردم بيك التي نشرتها «الجزيرة» الغراء في صفحة «الأدب» في العدد 332 عدد الأسبوع الماضي وبعنوان «تقريظ ونقد» إن هذه المقالة ترشحه عن جدارة وحق لافتتاح موسم أدبي لدراسة إنتاج شوقي العظيم.
عمم سعادة وكيل وزارة المعارف على جميع المناطق التعليمية بنموذج للتقرير الفني الجديد لمدارس ما فوق المرحلة الابتدائية لتسليمه للموجهين التربويين ومساعديهم والهيئة الفنية بالمناطق وذلك لإعداد التقارير الفنية على ضوئه لتظهر التقارير الفنية عن كل مدرسة بصورة وافية.

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved