بعد أن قرأت قبل فترة تحقيقاً عن رسائل الجوال في الجزيرة لمراسلكم.. حاولت أن أطلق عنان أحرفي قارئاً الأبعاد الذاتية والمجتمعية لرسائل الجوال.. ومستنطقاً ملامح هذا الانغماس الذي يكاد يلوي أعناق الدقائق والساعات التي تذوب هدراً وسط معمعة هدير الرسائل.. هذه الخدمة التي انجرفت في تيار اللهو والعبث لدى كثير من حاملي الجوال.. ترى هل ثمة مجال.. يتيح لنا تقنين هذا التواصل الرسائلي الذي يكتب تفاصيل فراغ طاغ.. قف لحظة من فضلك.. وتأمل المضامين المتوهجة في شاشات أجهزة الجوالات المثخنة من ذلكم الحشد الزاحف من البوح المسكون بالعبث.. فتش عن جمل مفيدة.. وعن فوائد جديدة.
وسترجع بخفي حنين.. وتعود صفر اليدين.. لرسائل تعوم.. بين ذهاب وقدوم..
أمعنْ النظر تارة أخرى في الأفكار التي تذرفها تلك الجوالات المنكوبة بأصحابها وستلقى ألوان الطرائف.. وفريد الألغاز.. وجديد النكت.. وستحظى باستهزاء معلب.. وسخرية مدبلجة.. محفوفة بأشعار غزل.. وفنون مداعبة.. وإسفاف لفظ واختلال عبارة.. وكأنها مباراة شطارة.. فالكل يشحذ فكرة.. ويعصر ذهنه في تأليف رسائله..
آه من حال تلك الأجهزة الصماء.. التي تشكو بدون بكاء.. لماذا تتحول رسائل الجوال.. إلى شاشات لهو واستغفال.. وهل أدرك العابثون بتلك الرسائل أنها ربما سببت مشاكل أسرية وأزعجت فضاءات عائلية وبخاصة حينما تحوي عبارات غرامْ.. وألفاظ هيام.
ولو أخطأ المرسل في الرقم المطلوب لربما جر خيوط المشاكل وأحدث أضراراً نفسية وبخاصة حينما تلعب الصدفة دورها ويكون الجوال المستقبل جهاز امرأة.. ألم يتخيل ما قد يسببه لتلك المسكينة من أذى.. حقاً لا فائدة ترجى من عبث الرسائل ولا طائل ينتظر.. بل ربما انشغل قائد السيارة بقراءة رسالة قادمة أو الرد عليها كتابياً وهو يقود سيارته معرضاً نفسه والآخرين لدائرة الخطر.. ولربما عطل الموظف وقته وقيد معاملاته وهو منهمك في معمعة رسائل جواله رداً واستقبالاً.. ألم أقلْ إن الأمر تحول لمحاورات باردة وردود شاردة تعكس خللاً في ثقافة الجوال.. فهؤلاء اعتادوا أن يشهروا جوالاتهم وتدبيج عباراتهم.. وكأنها أجهزة معبأة برنين لا يكاد يبين.. أعني مداخلات الغفلة ورسائل النزوة.. عذراً يا هؤلاء.. رجالاً ونساء.. على رسلكم لقد ضجت شاشات جوالاتكم من سطوة رسائلكم واستبداد عبثكم.. والغريب أنه ربما وجدت معلمين ومعلمات ينزلقون في ساحة رسائل الجوال ويتوغلون في فضاءاته المشبعة بالهزل.. ربما للتنفيس عن أنفسهم من ضغوط التدريس لتأتي هذه الرسائل تفريغاً ملائماً لهموم المرحلة.. عفواً على تلكم الإطلالة التي حاولت فيها بعثرة مضامين أجهزتكم الأنيقة التي طالما حرصتم على مواكبة جديدها تحت خطى الاستبدال المغري.. لتحرثوا عروض المحلات.. وتنقبوا عن قدوم الموديلات ذات الإطار الجميل.. ولع بالتجديد.. وشغف بالتبديل.. وانهماك في معرفة المميزات.. آه من زمن استبدت فيه ثقافة الجوال.. عبر غزو شرائي.. وتدفق معرفي.. عصف بالثقافة الأصيلة والمعرفة الحقة.. عذراً.. لم يكن المتنبي يحمل جوالاً.. ولا أبو العتاهية.. أسمعتم يا أصحاب الرسائل اللاهية..
محمد بن عبدالعزيز الموسى
بريدة
|