قضية التمدد والتقلص «الانكماش» المستقبلي في المباني قضية هامة جداً ولها تبعات اقتصادية حساسة، ويهملها مع الأسف الكثير من المعماريين.. هل جميع المباني المصممة في مملكتنا الحنونة تم مراعاة تلك القضية فيها ؟!.. بالتأكيد لا.. لماذا ؟، لأن الكثير من مبانينا لا تمضي عليها سوى سنوات معدودة وتصبح غير قادرة على مواجهة زيادة أو نقص المستخدمين.. كيف ذلك؟
سنأخذ المسكن كمثال بسيط لشرح فكرة التمدد والانكماش المستقبلي.. لنفرض ان هناك عائلة مكوّنة من أب نشيط وأم في ربيعها الرابع والعشرين أنجبت من ذلك الأب ثلاث فتيات وفتى، ما هي الاحتمالات المستقبلية التي يضعها المعماري لتلك العائلة؟... أول الاحتمالات ان هذه العائلة الكريمة سيزداد عددها مستقبلاً، وخصوصاً ان المرأة ما زالت صغيرة.. «عندما سألت أحد زبائني عن عمر زوجته، كاد يأكلني».. ويجب على الزبون مصارحة المعماري ان كان هناك نية إنجاب المزيد من الأبناء، وذلك لضمان الخروج بتصميم قادر على احتواء تلك العائلة في المستقبل، أي: الخروج بتصميم لديه القدرة على التمدد المستقبلي «Future Expansion» وذلك بعد إضافة أجزاء معينة أو توسعتها أو بناء غرف تلبي احتياجات العائلة مستقبلاً.. وبالمناسبة، أعرف عائلات تشتكي عدم كفاية غرف النوم في ظل احتواء المنزل على صالات ومجالس غير مستخدمة، أو قليلة الاستخدام، وهذه مشكلة كبيرة يقع فيها الكثيرون عندما يبنون مساكنهم للضيوف، فمجالس كثيرة وكبيرة المساحات، لمن ؟.. للضيوف.. وعلى حساب من؟.. على حساب الفراغات والمساحات التي يحتاجها أصحاب المنزل أو سكان المنزل، والذين يفترض ان تكون الأولوية لهم.. وأما الضيوف الأعزاء إذا زاد عددهم يمكن جمعهم في استراحة أو بر أو شيء من هذا القبيل.. أعتقد أنني خرجت عن موضوعنا الأساسي وأعتقد ان قضية التمدد المستقبلي اتضحت للجميع، فما هي قضية الانكماش المستقبلي «Future Contraction»؟!..
المقصود بالانكماش المستقبلي يا أعزائي القراء.. هو ان العائلة السابقة الذكر بعد سنوات معدودات ستنكمش أو سيقل عددها.. وكيف ذلك؟.. البنات الثلاث قد يصبحن ستاً وغالباً سيتزوجن ويتركن غرفهن «يتركن مساحات معينة ويشغلن مساحات أخرى في مواقع أو مساكن أخرى»، وسيصبح المنزل شبه فاض.. وتأتي القضية الحاسمة وهي زواج الابن الوحيد، فهل يبقى وزوجته مع والديه، أعتقد ان معظم بناتنا يفضلن الاستقلال.. لذلك سيرحل الابن أيضا، وسيضطر الأب والأم البقاء في ذلك المسكن الموحش بمفردهما، وستصبح فراغات كثيرة في ذلك المنزل مغلقة ومحدودة الاستخدام، بمعنى آخر ستنكمش تلك الأسرة التي تسكن هذا البيت ويقل عددها من تسعة أشخاص إلى شخصين، ولدينا العديد من المساكن تعاني تلك المشكلة، وهي مشكلة واقعية تحتاج إلى حل عاجل من قبل العلماء المختصين في علوم العمارة والعمران والاقتصاد والاجتماع.
كيف يخطط المعماري الناجح لتفادي تلك المشكلة؟!.. يقدم تصميماً مرناً «Flexible» أو قابلاً للتعديل، سواء كان ذلك ببناء أجزاء إضافية، أو بفتح فراغات على بعضها وإغلاق فراغات أخرى، ومن الممكن بطريقة معمارية فنية مدروسة فصل جزء من ذلك المسكن مستقبلاً واستثماره، والمهم ان يكون ذلك بأقل التكاليف وبدون تشويه للمنزل.. كما يوجد حل آخر هو: فصل جزء من المنزل، وإعطاؤه الاستقلالية التي يحتاجها الابن وزوجته الحنونة التي ستوافق على ذلك السكن إذا تحققت لها الخصوصية التي تحتاجها.. وبالتالي يصبح الابن بقرب والديه ويبرهم كما ربوه صغيراً، وإن رزقه الله بأطفال فمن السهل جداً تركهم عند جدتهم والتنزه مع زوجته لساعات..
وهكذا نستفيد من المساحات العمرانية، ونستغلها الاستغلال الأمثل، ونوفر الأموال.. وفي النهاية سيصبح ذلك المسكن له قيمة استخدام جيدة.. هذا ما يخص قضية التمدد والانكماش المستقبلي في المساكن، وأما المباني العامة فلم يعد هناك متسع لها، لذا سأطرحها باختصار.
بعض المباني العامة للأسف لا يمر على بنائها سوى فترة بسيطة ويزداد عدد مستخدميها فتصبح غير قادرة على احتوائهم، وعندما تريد الدولة حماها الله إجراء توسعة في المبنى، لا تستطيع ذلك، لأن المعماري أصلحه الله لم يفكر في تلك القضية، فأنتج مبنى أو شكلاً معيناً «Form» غير قابل للتمدد الأفقي أو الرأسي، وذلك يعني ان أي إضافة تسبب خللاً في توازن شكل المبنى ونسبه المعمارية الجمالية.. والتمدد الأفقي يكون عادة بإلصاق مبنى آخر بالمبنى القائم أو بناء مبنى مجاور وربطه بالمبنى القائم عن طريق جسر.. إلخ، وأما التمدد الرأسي يا أصدقائي القراء فيكون بزيادة عدد الأدوار، ولدينا «والشكوى على الله» العديد من المباني العامة التي لا يمكن توسعتها رأسياً ولا أفقياً.
وبعد ذلك العرض الموجز.. أعتقد اننا من اللحظة.. يجب ألا نقبل سوى التصميمات المعمارية التي تراعي قضية التمدد والانكماش المستقبلي، ولا سيما أن القضية تمس اقتصادنا الوطني.
|