Tuesday 28th october,2003 11352العدد الثلاثاء 2 ,رمضان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

المعلم بين الرسالة والوظيفة المعلم بين الرسالة والوظيفة
د. عبدالحليم بن إبراهيم العبداللطيف

كل أمم الأرض وبنسبٍ متفاوتةٍ تعنى بشأن العلم والتعليم إدراكاً منها لأهمية العلم وليزول عنها شبح الإفلاس والركود العلمي، والعلم النافع هو الروح التي تمد الجسد بالطاقة والحيوية النافعة وهو النور الوضاء الذي يبدد ظلمات الجهل ويهدي الناس سواء السبيل {(أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) } ولا يتحقق ذلك كله بعد الله عز وجل إلا بالمعلم النابه والمدرس الفطن المسلح جيداًً بسلاح العلم والفهم والمعرفة الصحيحة التي تستسقى من أوثق المصادر العلمية لرفع مستوى الأمة في مجالات عديدة حيث يجوب أفرادها آفاقاً كثيرة من العلم والمعرفة الصحيحة التي اصبحت من الضروريات لحياة الناس، إضافةً إلى أثرها البين في التهذيب النفسي والسمو الروحي والتألق الخلقي، إننا بالتربية الجادة وبالمدرس الكفء سنصل بحول الله الى بر الأمان وشاطئ السلامة وسوف نصل الحاضر السعيد بالماضي المجيد وسوف ينصرف الشباب والطلاب إلى العمل الجاد المثمر المفيد ويا ترى كم تجني الأمة من آثار حميدة من وراء هذه التربية الراشدة؟ تربية الشباب والطلاب على الجد والاهتمام واستثمار الأوقات فيما هو نافع ومفيد بدلاً من حياة البعض «وهم قليل إن شاء الله» في اللهو والعبث وقتل الأوقات فيما لا ينفع، إننا بالتربية الجادة وبالمعلم المقتدر سنصرف الشباب عن مجالات اللهو والعبث والكسل والخمول إلى المجالات الجادة الصاعدة التي يمكن من ورائها تحقيق الكثير من الآمال والأعمال وإظهاراً لشخصية الإسلامية الصحيحة والاعتداد بالقوة الروحية الصالحة المصلحة إلى جانب القوة المادية المفيدة والمأمور بها شرعاً وعقلاً.
كما اننا بهذه التربية الراشدة سنهيىء الشباب جيداً بوعيهم المتفتح وثقافتهم الأصيلة إلى نقد وطرد كل فكر هزيل وتوجه دخيل وكل زيف يلصق بالدين وكل مبدأ منحرف يناهض ديننا وقيمنا واخلاقنا وموروثاتنا الأصيلة والنبيلة وعندئذ {يّفًرّحٍ المٍؤًمٌنٍونّ بٌنّصًرٌ الله يّنصٍرٍ مّن يّشّاءٍ} ويحقق الرواد لهذه المسيرة العامرة بغيتهم والفرحة تغمر قلوبهم بتحقيق جيل واع مدرك يسير بخطى ثابتة نحو الغاية ويحقق الهدف المراد، وما أروع الشباب الواعي المثقف المدرك الذي يسير في دروبه على هدى وبصيرة، وإن الأمل الذي يرجو كل شاب تحقيقه والحلم الذي يأمل كل فتى الحصول عليه هو بلوغ السعادة ولن يتحقق ذلك بعد الله الا بالتربية الجادة والماجدة ذات الجذور والأصول الممتدة، إن التربية والتعليم أمانة عظيمة ومسئولية كبيرة كل في موقعه يجب اداؤها والوفاء بها وعدم التفريط فيها وإلا كان ذلك خيانة وعاملاً على فقدان الثقة ورهاناً على فساد الضمائر، إن البعض من شباب الأمة مغبون في صحته إذ لم يستعملها فيما ينفعه وغيره من أبناء امته ولم يوقفها للعمل على مافيه سعادته وفلاحه وفلاح وطنه وأمته، والشباب وبتوجيه فائق من مدرسته يغتنم صحته وأيام نشاطه وزهرة شبابه ولا يضيع الفرصة في اتباع الهوى ويصرف طاقته في النزوات الطائشة، ومستقبل العمر ووقت الشباب والفراغ نعمة عظيمة يجدر بالشاب المسلم أن يصرفها في الأصلح والأجود والأمثل، يكرس جهده ووقته في كل مجالات الخير واهمها اغتنام الاوقات في الدرس والتحصيل مما يكسبه وامته ووطنه اجراً ويرفع لهم ذكراً، والمدرسة الناهضة تأخذ بأيدي الطلبة لئلا يقطعوا وقتهم لهواً ولعباً ويشغلوا اوقاتهم بالعبث والتهريج او يشتغلوا بالخسيس الادنى ويضيعوا الوقت سدى، والتربية الجيدة وثيقة الصلة بتربية القلب واحياء الضمير واستبقاء القلب في حالة يقظة تامة شاعرة حساسة لا تجمد ولاتتبلد بالركود والغفلة والنسيان. كما انها وثيقة الصلة ايضا بتقدير القيم الأصيلة التي اقام الله عليها حياة هذا الإنسان، وبتقدير القيم الزائفة والهزيلة التي تصد عن الحق والهدى، والتربية الإسلامية ذات الأصول والجذور الثابتة ترسي دوماً القواعد الأخلاقية الكلية التي لا تميد ولا تضطرب ولا تتغير ولا تؤثر فيها تطورات الحياة حيث هي بطبيعتها ثابتة ومتطورة، ويقول علماء التربية من المسلمين، «إن الذين تشغلهم الظواهر المتغيرة عن تدبر الحقائق الثابتة لا يدركون السر الإلهي الذي يجمع دوماً بين الثبات والتغير في صلب الحياة واطوار الحياة ويحسبون ان التطور والتغير يشمل حقائق الأشياء كما يتناول اشكالها، ويزعمون ان التطور المستمر يمنع أن تكون هناك حقائق ثابتة. اما التربية الإسلامية فترى من واقع الشرع المطهر ومن واقع الحياة وجود الثبات والتغير في كل زاوية من زوايا هذا الكون الرحيب وهذا من أهم الفوارق بين التربية الإسلامية المثلى وبين غيرها مما هو من صنع البشر، والتربوي المسلم يعلم حق العلم انه مع إخوانه الآخرين في ميدان التربية والتعليم انما جاءوا لتربية أمة وإنشاء مجتمع وإقامة نظام شامل وعادل، والتربية بطبيعة الحال تحتاج الى جهد مميز ووسائل عديدة وصبر وثبات وإلى تأثر وانفعال وحماس، وانما تنجح الفكرة لدى التربويين من المسلمين اذا قوي الإيمان بها ووجد الحماس من أجلها وإلا ماتت في مهدها، كما أنها تحتاج إلى حركة تترجم التأثر إلى واقع محسوس وملموس، والنفس البشرية بطبيعتها لا تتحول عما كانت عليه بين يوم وليلة، واستاذ البشرية ومعلم الإنسانية قيل له {(فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ } تشجيع وتعبير وتسلية وتأسية ثم تطمين لماذا لان الطريق طويل وشاق ومرير، والمعلم الكفء يتدرج في مراقيه مع طلابه شيئاً فشيئاً رويداً رويداً ويعودهم على الجد الصادق والصبر العازم الجازم الحازم فلا ينفرون من مادته ويتعودون عليها وهو ينمي عقولهم وافهامهم ومداركهم ويبني ملكاتهم كل يوم بجديد ومفيد يقدم لهم الوجبة الغذائية الكاملة المتكاملة، فيصبحوا في اليوم التالي أكثر استعداداً وتحملاً واشد قابليةً وتنعما وتلذذاً بها. وهذا الاساس هو ما نلحظه في نزول القرآن منجماً حسب الوقائع والحاجات ووفق استعداد الأمة وقابليتها التي تنمو يوماً بعد يوم في ظل النهج التربوي الالهي الدقيق العميق فهل يا ترى يعي التربويون وفرسان الميدان هذه الحقيقة الغائبة احياناً ارجو ذلك.

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved