لا شك أن الحوار ضرورة حضارية لما يمثله من بناء للجسور نحو تفاهم مشترك، والناظر في الأحوال القائمة في عالمنا اليوم يدرك إن كان ذا بصيرة أن الحوار عنصراً مهماً لتحقيق السلام الداخلي والإجتماعي، وخير وسيلة للتخفيف من حدة الصراعات الإدارية والسياسية والإقتصادية.
والحوار ليس إسلوباً مبتكراً جديداً، بل هو موجود منذ القدم قِدم المجتمع الإنساني نفسه، إذ أنه هو القناة الوحيدة التي قام باستخدامها الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام في تبليغ رسالاتهم، فإنهم عليهم الصلاة والسلام لم يستخدموا أي عنف أو أي قوة لفرض ما أرسلهم الله به بل قاموا بإستخدام الحوار الذي تمخض عن نجاح رسالاتهم دونما تشنج أو إلغاء ولذلك فإن الحضارات البائدة أو الباقية إرتبطت بالحوار وقامت ببلورته إلى حيز الوجود، سواء حوار ثقافات أو حوار أديان ريماناً منها بأنها تملك مساحات مشتركة فيما بينها، وقد نجحت في ذلك.
* ، حيث فتحت باب الإجتهاد والتفكير فلم تحجر على عقل ولم تعطل فكرا، بقدر ما إستوعبت من صيغ التعددية الفكرية التي جعلتها تعيش في تصالح وسلام مع عطاء الثقافات الأخرى، وبالتالي أصبحت قدوة حضارية لمسيرة الإنسانية.
إن إنشاء مركز حوار وطني جاء من منطلق أن الدولة مهتمة بالحوار الوطني بدليل صدور الموافقة السامية عليه إنشائه وان ذلك دليل على أن هناك تطور فيث مياديين الفكر والثقافة ولأجل ذلك جاء هذا المركز إيماناً من القيادة بأ الحوار احدى الأدوات الرئيسية والمهمة من أجل تشكيل الاستراتيجية وتشكيل الرؤى التي هي في حالة تغيّر دائم، بعيداً عن تيارات الجمود والنقل الأعمى التي سادت الفكر مما نتج عنها مآسي حمل أوزارها الدين الإسلامي، وهذا لن يتأتي إلا بالتصدي للفكر الوافد وتبيان جوهر الدين الإسلامي عن طريق قناة الحوار، إذ من غير المقبول أن ينظر الإنسان إلى هذا الإنحراف الفكري فلا يلبث أن يرتد إليه طرفه وهو حيران، أو أن يشوّه التاريخ والحقائق الثابتة دونما إتخاذ إي اجراء.
ومن الطبيعي إننا إذا لم نقم بملء الفراغ في عالمنا اليوم بالفكر الإسلامي والحوار البناء فإنه لا محالة سوف يمتليء بفكر آخر دخيل قد يمزق الوطنية ولا يجمعها، وبالتالي فإن إنشاء هذا المركز يعتبر تحركاً في الإتجاه الصحيح نحو الوحدة الوطنية على المستوى السياسي. لقد جاء مركز الحوار الوطني بعد أن كان أمنية المثقفين، وإتخذت سبيلها إلى الوجود الواقعي مما أدخل الإرتياح إلى نفس كل مفكر ومثقف ومواطن لما فيه من وسيلة قوة وتقدم ونهوض، وكان حقاً علينا أن نرحب بذلك الصرح لإقامة دعائم الثقافة وتقديرها حق قدرها والإرتقاء بمستوى التفكير الجماعي. إذن فإن ما يحمله الحوار من سيادة للفكر الجماعي، وروح للتواصل ونبذ للإعتقادات الخاطئة من أفكار الآخرين لا يهدف إلى تحقيق مكسب شخصي وإنما يهدف إلى كسب الجميع للرؤية الثاقبة التي لا يمكن تحقيقها بشكل فردي.
من هنا فإن الحوار الصادق الفعّال الذي يرتفع إلى مستوى الحدث والمشكلة بطريقة واقعية سوف يسهم في رسالة التنوير العلمية والثقافية وذلك بإحياء تلاقي الثقافات وتناغمها وتلاقح مناهج الفكر فيها، وتفاعل الرؤى والإفكار، وما يتمخض عنه ذلك من الإستفادة من الإبداعات والإنجازات الفكرية التي تتيح لنا أن نكون نحن أمة الإسلام أئمة الناس وقادة الحضارة. ولكي نوجد حواراً وطنياً متميزاً يجب أن يكون إنسانياً ينأى عن التعصب والإنفلاق، يبحث عن منطقة الجدل والتلاقي مع الآخر قبولاً أو حواراً سعياً للوصول إلى التفاهم المشترك في حركة الفكر أخذاً وعطاءً.
وبعد:
فيا أيها المواطنون والمثقفون تعالوا إلى كلمة سواء بيننا ألا نتحاور في أفكارنا إلا في مصلحة الوطن والإنسانية وأن يكون حوارنا متجرداً من الأطماع الخاصة وبعيداً عن الأنانية والتشنج، وأن نحرص على أن يكون الحوار شريفاً يجب حمايته من السطحية وحب الذات والشهرة والانتفاع وبالتالي يكون حوارنا مبنياً على أساس متين من تحكيم العقل والأخذ بالأسباب الفعّالة التي دفعت بالأمم الراقية إلى ما تتمتع به من تقدم. واعتقد جازماً أنه متى ما كان الحوار بين أولئك الذين يجيدون تدبر الظروف ويتحلون بالتهذيب والحشمة والإحترام ولايدعون المحن التي تحل بهم أن تنال منهم ويتحملونها بكل شجاعة، هؤلاء اعتقد جازماً أنهم لن يخفقوا ان شاء الله في اتخاذ الوجهة الملائمة للسير بالحوار نحو الهدف المنشود.
نعم هناك من يسؤهم الوفاق ولا يعيشون إلا من وراء الصفوف فيقومون ببث العداوة والبغضاء وهم بذلك يخدمون ركاب الغير من الحاقدين، إذاً واجبنا في الحوار هو رص الصفوف وإصلاح الشئون والنهوض بمستقبل هذا البلد العزيز خصوصاً ونحن نواجه اليوم تحديات حضارية وسياسية ولابد لنا أن نتوجه إلى وحدة ثقافية فكرية تعمل على الوحدة الوطنية توجد القاعدة الصلبة أمام هذه التحديات.
والآن ونحن في وقت نتقارب فيه من بعضنا البعض عن إقتناع بضرورة تواصل الحوار الوطني المتميز استثماراً للروح الجادة التي دعا إليها خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين يحفظهما الله. فإن إيماننا كبير بأن ذلك سوف يدفع كل منا مهما كان موقعه إلى الحركة الواعية المثقفة دانية الثمرات للوطن وللأمة ان شاء الله {(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ [التوبة: 105]. والله الهادي إلى سواء السبيل..
|