تهل علينا نفحات شهر رمضان المبارك، حيث تصفد الشياطين، ويقنت المؤمنون الصادقون لربهم صياما وقياما، وتسود أجواء روحانية مفعمة بالطمأنينة في القلوب، وتقوى الأواصر بين الناس باللقاءات المتكررة في المساجد والمجالس، وتسود بينهم الألفة والمحبة في الله ويتغشى الوئام وجه الأرض والسماء. وهو الشهر الذي تربح فيه التجارة مع الله ربحا عظيما، وتتفتح أبوابها على مصاريعها لبذل الخير وسد حاجة المعوزين والعطف على الفقراء والمساكين واخراج الزكوات والصدقات من أموال القادرين.
لكن مما يعكر صفو هذا النقاء الايماني الجميل، ان كثيراً من شبابنا قد تعود ارتياد الأسواق في هذا الشهر، منهم من يشتري جهازا ولباسا لعرس قد تحدد أوانه في عيد الفطر المبارك منذ زمن بعيد ولكن لا يحلو لهم التقضي والتبضع والتسوق إلا في شهر العبادة، والبلاء الأكبر في الفئة الأخرى من الشباب الذين يقضون الليل وربما بعض النهار - أثناء الصيام - في مجرد التسكع والمطالعة وربما وصل بهم الأمر حد مغازلة النساء. فأين هؤلاء الشباب من دين الطهر والفضائل؟
وأين هم من شهر فضله الله على كل الأشهر، فالعمرة فيه بحجة، وهو أوان القيام والتهجد، وفيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، لا يرد فيها الدعاء، ويعطى كل من سأل مسألته، وحيث نزل فيها دستور المسلمين ومصدر تشريعهم الأول وأعني بذلك القرآن الكريم.
أين هم من دين يدعو الى غض الأبصار وحفظ الأعراض وعدم ايذاء الغير، ويثيب المسلم ثوابا عظيما على الفعل غير المكلف أو الوجع غير المؤلم، فالمسلم كما تعلمون مثاب على كل ما يصيبه حتى الشوكة يشاكها!.
واقرأوا معي هذا الحديث النبوي الشريف وقد أخرجه الترمذي والحاكم، وفيه يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم «من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة».
ولعل هذه المنحة الإلهية الكريمة السخية لصاحب هذا الدعاء حين يدخل الأسواق، تؤكد أن الاسلام دين يحث على كل معروف وفضيلة وينهى عن كل منكر ورذيلة، ويحفظ على الناس أعراضهم وأموالهم، ولأن الخالق جل وعلا يعلم ان الطبيعة البشرية في مناخ الأسواق قد تغري بكثير من الشر والأذى والتعرض للمحارم، وكذلك الغش في البضائع والأسعار والأكيال والأوزان والأطوال، لذلك فقد جعل الله هذا الثواب العظيم لمن يستحضر خالقه عندما يقدم على دخول الأسواق بائعاً أو مشترياً، لأنه إذا استحضر خالقه بطل عمل إبليس واغراؤه له وانتهى عما يغضب ربه والتزم رضاه وأدبه..
فهلا اغتنمتم الفرصة معاشر أبنائي الشباب!.
|