Tuesday 28th october,2003 11352العدد الثلاثاء 2 ,رمضان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

شيء من المنطق شيء من المنطق
الرياض العاصمة ومن الحب ما قتل
د. مفرج بن سعد الحقباني

ربما يكون من الطبيعي أن تتعلق قلوب سكان أية دولة من الدول بعاصمتهم السياسية لكونها تمثل العمق السياسي للوطن بشكل عام والعمود الفقري للكينونة الوطنية.
وربما يكون من الطبيعي أيضا أن تصبح العاصمة منطلقاً للكثير من العمليات التطويرية التي تستهدف الارتقاء بالعاصمة تنموياً وحضارياً وبسكانها ثقافياً واقتصادياً واجتماعياً، ولكنه من غير الطبيعي ان تتحول العاصمة إلى مركز وحيد للمؤسسات الحكومية الهامة وللأنشطة الاستثمارية والتجارية والتعليمية للقطاعين العام والخاص.
فعلى الرغم مما قد تحققه العاصمة من تطور في مجالات الحياة المختلفة، إلا أن المشاكل المصاحبة والتداعيات السلبية التي يخلفها مثل هذا الحال قد تؤدي إلى نتائج عكسية في الأجل الطويل تصيب ليس فقط المجال الاقتصادي للعاصمة ولكن أيضا بقية مجالات الحياة المختلفة كالمجال الاجتماعي والفكري والأمني.
ولعل ما دفعني إلى سرد مثل هذه المقدمة التحذيرية ما تناقلته بعض وسائل الإعلام المحلية من إحصاءات مخيفة حول معدلات النمو السكاني وأعداد السكان المتوقعة في عاصمتنا الحبيبة بحلول عام 2020م. فوفقاً لهذه الإحصاءات من المتوقع ان يبلغ عدد سكان مدينة الرياض بحلول هذا العام حوالي 2 ،11 مليون نسمج بمعدل نمو سنوي يبلغ حوالي 8 ،7% مما يستدعي التوقف الإجباري لمراجعة الحال قبل فوات الأوان وقبل ان تتحول العاصمة إلى مركز للفقر والبطالة والى مرتع خصب للمجرمين والخارجين عن النظام.
فإذا كانت الرياض في الوقت الحاضر تستوحذ على معظم الدوائر الحكومية والمؤسسات التعليمية والمشاريع الاستثمارية مما جعلها نقطة جذب للمواطنين والمقيمين وساهم في زيادة معدل النمو السكاني السنوي، فان المنطق السليم يفرض علينا اليوم ونحن نمتلك الوقت الكافي والمقدرة الإدارية والمالية الكافية ان نراجع خططنا التنموية وبالشكل الذي يكفل تغيير اتجاه حركة الهجرة الداخلية باتجاه مدن أخرى غير عاصمتنا الرياض.وفي اعتقادي ان أفضل وسيلة لخدمة الرياض في المستقبل هي أن نبدأ في تشجيع إنشاء المشاريع الاستثمارية والتعليمية والمدن الصناعية خارج مدينة الرياض حتى نقلل من الرغبة في الانتقال إلى الرياض ونزيد من الجاذبية النسبية للمدن الأخرى ونقلل من معدلات النمو السكاني في العاصمة.
وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى ان مثل هذا الإجراء لا يعني بالضرورة التقليل من الأهمية النسبية للرياض العاصمة ولا يعني بالضرورة عدم محبة الرياض، ولكنه في الواقع يمثل الخدمة الأكثر أهمية التي يمكن ان يقدمها صاحب القرار والمخطط التنموي للمحافظة على نقاوة العاصمة وسلامة مجتمعها الحضري.
فإذا كنا نعلم بان الإمكانيات المادية والبشرية المتاحة لا تستطيع الوفاء بالاحتياجات المتزايدة للسكان، وإذا كنا نعلم بان مجتمع العاصمة عادة ما يتسم بانضباط اجتماعي أقل من نظيره في المدن الأخرى، وإذا كانت المؤشرات الأمنية والاجتماعية تشير إلى أن معدلات الجريمة تتزايد كلما قل الانضباط الاجتماعي وقلت المقدرة على الوفاء بالاحتياجات الضرورية للسكان، فان من المنطقي قبول الدعوة الوطنية التي تنادي بضرورة الحد من استحواذ العاصمة على عوامل الجذب الرئيسة التي يأتي في مقدمتها فرص التعليم والاستثمار والعمل والمتاحة.
كما ان تحقيق التوزيع المنطقي للمشاريع التنموية بين المدن والقرى سيسهم ليس فقط في تقليل الهجرة إلى العاصمة ولكن أيضا في تحقيق قفزات تنموية واستقرار اجتماعي وأمني واقتصادي في المدن الأخرى مما يعني شمولية الحركة التنموية الوطنية.
يا سادة.. لا بد ان يدفعنا حب الرياض إلى إعادة النظر في سياساتنا التنموية وخططنا الاقتصادية حتى نضمن نمواً متوازناً في عاصمتنا الحبيبة وحتى يتحقق الاستقرار الشامل في هذه المعشوقة إلى الأبد بإذن الله. فهل يتحقق ذلك؟ الله أعلم.

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved