Tuesday 28th october,2003 11352العدد الثلاثاء 2 ,رمضان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

فهد بن سلمان، والابتسامة «اللطيفة» فهد بن سلمان، والابتسامة «اللطيفة»
أنور عبدالمجيد الجبرتي

هل أريد، أن، أُثير، أحزاناً، أوأن ابعث أشجاناً؟ ليس الأمر كذلك، وإن، كان، الحزن العميق، على الأشياء الأثيرة التي فقدناها، والأشخاص، الأعزاء الذين، رحلوا، كامناً، وماثلاً، يغشانا، بين، الحين، والحين.
** ولكن، غلبتني، ذكرى، أثيرة، عن رجل كريم، لطيف، رحل عنا، فأردت أن، أبرَّ ذكراه، وأن أبْعَث في النفوس، حبّ، الخلق الكريم، والعمل الطيب، وأنه، لن يبقى منَّا حقا اذا رحلْنا عن هذه الحياة، إلا الذكرى الطيبة، نتركها في نفوس الآخرين، يستر حصونها فيذكروننا معها، ويسألون الله لنا، الرحمة، ويطلبون لنا المغفرة.
** لماذا، فهد بن سلمان، رحمه الله، ولماذا الابتسامة «اللطيفة» ولماذا في رمضان؟
** لأن، لي، معه في رمضان، بعض حكايات؟، ولأن الابتسامة «اللطيفة» استمرت، بيننا رمضانات قليلة، اهاتفه فيها، واقول له كل عام وأنت بخير، وادام الله عليك الابتسامة «اللطيفة»، ولأن، اسم الأمير النبيل، برز أمامي، من جديد، بين اوراقي الرمضانية المُبعثرة، التي تحتفظ بأسماء المعايدات الرمضانية، فاستحضرت الابتسامة «اللطيفة» النبيلة.
** كان، الأمير فهد بن سلمان، يغادر المكان ذات رمضان، عندما، استوقفه، رجلٌ وسارعتُ الى الابتعاد، لأترك لهما، خصوصية الحديث، كان، حديثاً طويلاً، يبدو الأمير فيه، مستمعاً، معظم الوقت، وعن، بُعْد، لم أكن، اسمع شيئاً مما يتحدثون فيه، لكنني لم استطع ان اغفل عن حضور تلك الابتسامة، الفارقة «اللطيفة» . عندما انتهى، الحديث اقبل الأمير فهد بن سلمان، رحمه الله معتذراً، ولكنه سأل مازحاً، ومداعباً ما رأيك، في الموضوع؟، ولم أكن، أعرف الموضوع او، الشخص، ولكنني، أدركتُ، المجاملة، المازحة. قلت له: هل تريد الرأي الصريح؟. نظر إلي متفاجئاً او، مُسْترسلاً في المداعبة، وقال: نعم. قلت له: الرأي، يا سمو الأمير، هو، أنك تملك، ابتسامة لطيفة، رائعة. قال، ضاحكاً: أعرف الابتسامة الجميلة، والابتسامة المثيرة، والابتسامة الصفراء، والابتسامات المُلوَّنة، ولكن ماهي الابتسامة اللطيفة؟ لم، أكن، أتوقع، السؤال، ولم أكن، املك الجواب، المنطقي، الشافي، ولم تكُن، المناسبة تسمح، بجدل، فلسفي ولكنني، أجبت، بجواب، اعتقدتُ، في حينه، أنه، دبلوماسي، تخلُّص، ولكنني، ادركت، بعد ذلك، انه هو الجواب الصحيح، قلت له: الابتسامة «اللطيفة» حقاً، هي التي تتعرف عليها، عندما، تراها، ولكنها تستعصي في التعريف، المنطقي، الدقيق؟ ضحك الأمير، رحمه الله، وودع، مغادراً، وبقيت، الابتسامة اللطيفة، شِفْرةً، دائمة للحديث، بيننا.
** ألم يكن، الأمير، صاحب ابتسامة «لطيفة» حقاً؟ تلك، اللمسة الرقيقة، على الشفتين، والهمسة، الحانية، على قسمات الوجه، والرِّقَّة المُجاملة، المُتغلبة على حزن، جليل، عميق، يبذلها، حُبَّا، واريحيةً وخُلقاً كريماً، لمن، يُقابلهم، أو يُهاتفهم، او يتعاملَ معهم.
** أليس، اللُّطْف في اللُّغة، هو البرُّ، والتَّكْرُمَةُ، والتحفِّي؟! أوَ ليس، الانسان اللطيف بالأمْر هو الرفيق به؟ وهل اللطيف من الكلام، او، الابتسام إلا، ما غَمُضَ، معناهُ، وخَفَي، رغم ظهوره، وتجليه؟
** وقد كان، رحمه الله، كما عرفناه، ورأيناه، بارَّا، كريماً، حفيّاً رفيقاً، رقيقا، تأبى، ابتسامته، الا أن، تظهر، وتتجلَّى، بغموضها الجميل، وتخفِّيها الجليل، وحُزنها النبيل العميق.
** في، رمضان، آخر، قبل حوالي، خمسة اعوام، سعى، الأمير، الكريم الى مساعدة، طفل، للعلاج في المستشفى. وكنت اتوقع، ان يكتفي، بالتوصية الكريمة، او ان، يكلف احداً من مساعديه، بالمتابعة، والرعاية، ولكنني، وجدتُه، رحمه الله، يتابع شخصياً، وباهتمام كبير، ثم رأيتُه، يزور المريض، شخصياً، وعلى نحْو شبه يومي، ويستفسر عن تفاصيل العلاج، ويناقش الأطباء، وكانت «ترامِسْ»، القهوة وأطايب الطعام، تتوالى، على الطفل المريض، وأهله، ولكن، أجمل من ذلك، كلِّه، كان، ذلك الحضُور، الرقيق، والابتسامة اللطيفة، اللذان، أنسا وحشة الطفل، المريض، وأهله، في ذلك، الرمضان. كان من المنطقي ان استنتج، ان، والد المريض، كان، من جُلسَاء، الأمير، او، معارفه، او مساعديه، لكي افسِّر تلك الحفاوة البالغة، والاهتمام الكبير، ولكنني علمت، بعد ذلك، ان، الأمر، ليس كذلك، وأنَّه، لا، يعدو، ان يكون، جانباً، من جوانب، شخصيته، الرفيقة، الرقيقة، ولمسةً، من لمسات الرحمة، واللطف، في مزاجه، وسلوكه، وعلاقته بالناس، يبذلها لهم، دون تصنُّع، او، رياء.
** يأتي، رمضان، كما يأتي كل رمضان، والاسم، ورقم التلفون، يفترشان سطراً حزيناً، وحيداً، لكن، من بين الأرقام، والحروف، تُطل تلك الابتسامة اللطيفة النبيلة، ويحضر، صديق كريم، رفيق، سعى ذات رمضان كريم، إلى الاحتفاء بطفل مريض، وجبْرِ عثرتِه، ورعايته، لا يريد، جزاءً ، ولا شكوراً، الا، ابتسامة لطيفة، يبذلها في، وجهه، صدقةً جارية، بقيت له، في النفس، والذاكرة، والخاطرة، وحضرت، في رمضاننا هذا، لكي، نسترجعها، ونستحضره معها، فندعو له، بالرحمة، والغفران.
** رحل عنا، فهد بن سلمان، وترك، الجاه، والمكانة، وكلَّ الدنيا، لكن بقي له، عندنا، ما بَذَلَه، في خفاءِ، ورفق، من خير، وابتسامة لطيفة، حببته الى الناس، وقربته منهم، وأبقته، ذكرى طيبة في نفوسهم.
** ألاَ، نقولُ، مع من قالَ، أن، البرَّ، خيرٌ، في حياةٍ، وأنَّه، أبقى بعد، صاحبه، ثوابا.
** نقول ذلك، ونقول، اللهم، ارحم، فهد بن سلمان، واغفر له، وثبت لهُ، عندك، أجر، تلك الابتسامة اللطيفة النبيلة، الكريمة، ووفقنا الى، ان، نكتسيها على وجوهنا، وعسى ان يتذكرنا، يوماً، بها، بعد الرحيل، أحَدْ.

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved