Monday 27th october,2003 11351العدد الأثنين 1 ,رمضان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

دفق قلم دفق قلم
بين أمريكا وفرنسا
عبدالرحمن صالح العشماوي

مجموعة من الشباب السعودي المثقف كانوا يتناقشون في بعض شؤون العالم وهم يشربون الشاي، قال أحدهم: أنا أميل إلى باريس وفرنسا هذه الأيام لأنها تقف في جانب المعارضة الواضحة لما صنعت أمريكا في العراق، ولأن الرأي الفرنسي كان شجاعاً في هذه القضية، وواضحاً في وقوفه إلى جانب العراق، والصفّ العربي المتصدِّع.
ولم يطل النقاش حول هذا الموضوع بين الجلساء، وانما انصرفوا عنه إلى أحاديث أخرى تتعلَّق بأمور الشباب وهمومهم.
قلت في نفسي، شيء جميل أن يُعنى الشباب بهذه القضايا الجادَّة، خاصةً في هذه المرحلة التي نَوَدُّ فعلاً أن يكون لشبابنا فيها حرصٌ على قراءة الأحداث بصورة صحيحة بدلاً من الغرق في ملاحقة أخبار الفن والفنانين والرياضة والرياضيين، لأن الغرق هنا معناه اهمال المهم، والانصراف عن حقيقة ما يجري على هذا الكوكب الأرضي الذي نعيش فيه.
شابٌ مقبلٌ على الحياة يصرِّح برأيه في الميل إلى فرنسا لأنها تعارض الحرب الأمريكية على العراق، ويرى أن هذا الموقف الفرنسي يعبر عن وقوف فرنسا إلى جانب الحق العربي.
إنَّ إحساس الشاب بهذه المسائل شيٌ جميل في حدِّ ذاته ، ولكن السؤال الذي يدور في ذهن من استمع إلى كلام ذلك الشاب يقول: ما حقيقة اختلاف الرأي بين أمريكا وفرنسا؟.
لا بأس أن نستعير هنا مقطعاً من مقالٍ لكاتب غربي أمريكي اسمه «روب لونغ» يقارن فيه بين بلده أمريكا، وبين فرنسا، حيث يقول: «إنَّ من الخطأ بالنسبة للأمريكيين أن يتجاهلوا فرنسا بشكل مريع، فالفرنسيون خلافاً للأمريكيين لديهم فهم عميق ومشترك لما يعنيه كونهم «فرنسيين»، ولحديثهم باللغة الفرنسية، ولتفكيرهم كأشخاص فرنسيين، ولو قارنا كلَّ ذلك بأمريكا المعاصرة لوجدنا أن جامعاتنا الأمريكية مجزأة ومتشرذمة، وأن ثقافتنا السياسية تبدو وكأنها تنكر وجود أي فكرة مركزية لما يعنيه كوننا «أمريكيين» فنحن لا نستطيع أن نتفق على التاريخ الأمريكي الذي يجب علينا تعليمه لأطفالنا. أو على التواريخ الأكثر أهمية، وعلى إذا ما كانت قصتنا نحن الأمريكيين في نهاية المطاف ذات نهاية سعيدة أم لا، فنحن نرى في بعض الأوساط الأمريكية هذه الأيام من يرى انَّ أي شخص يعارض السياسة الأمريكية في العراق يعتبر «غير وطني» وليس له مكان، أما في فرنسا التي تعارضنا فلا يمكن ان يكون شخص بلا مكان، لأن هناك مكاناً على الطاولة حتى للذين لا مكان لهم».
هذا المقطع من مقال للكاتب الأمريكي «روب لونغ» نشر بعنوان «مازالت دولة تثير الانتباه»، في مجلة «نيوزويك» الأمريكية في السابع من أكتوبر عام 2003م.
إن هنالك علاقة تاريخية سياسية وطيدة بين أمريكا وفرنسا، مع أن الاختلاف كبير بين منطلقات البلدين، والأفكار التي يحملها الساسة فيهما، ولكنَّ هذه العلاقة لا تلغي الشعور العميق بالمنافسة بين البلدين، خاصة وأن فرنسا تعد دولة استعمارية توسُّعية كما هو معروف من تاريخها القريب، ولا شك ان الانتشار الأمريكي العالمي، قد جرى بصورة سريعة، وكان له أثره السلبي على فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية التي تراجعت هيمنتها على العالم، بوجود النموذج الأمريكي الأقوى في هذه المرحلة.
إنَّ الصراع الذي جرى في العالم الغربي بين «الحداثة» التي دعت إلى تحطيم الثوابت السياسية والفكرية والاجتماعية، وبين الأصالة التي ظلَّت تنادي بالإرث الثقافي الأصيل، وتدعو إلى حمايته وعدم الانفلات من قيمه ومبادئه، إن ذلك الصراع قد أحدث هزّة عنيفةً داخل المجتمعات الغربية، وإذا كان الانجراف إلى بريق الحداثة قد سرق عقول كثير من الناس، وأتاح للأنموذج الأمريكي «الحداثي» أن يهيمن عليهم، فإنَّ الأسس القوية للإرث الثقافي الأوروبي خاصة الإرث الفرنسي ما تزال تؤكد أن الصوت القادم من القيم والمبادىء الراسخة في وجدان الإنسان الغربي ظلَّ صوتاً قوياً قابلاً لاختراق ضجيج حداثة العصر ليصل إلى آذان الناس.
فرنسا تعارض أمريكا من هذا المنطلق لأن مغامرات واشنطن الخاطئة في هذه المرحلة قد منحت فرنسا كما يقول المحللون السياسيون منبراً قوياً أتاح للفرنسيين أن يطرحوا من خلاله بديلهم الذي يمكن أن يحل محل الهيمنة الأمريكية على العالم.
ولهذا يقول أحد الكتاب الغربيين مؤكداً أهمية دور فرنسا «عندما يستخف الأمريكيون بفرنسا ويعزلونها، فإنهم يستخفون بأمريكا نفسها ويسيئون إليها». وأقول: ما أحوجنا إلى مراكز دراسات قويَّة تضعنا وتضع شبابنا على طريق الثقافة الصحيحة المستقيمة، حتى نكون على دراية، بحقيقة ما يجري في العالم من حولنا، ليكون موقفنا من الأحداث صحيحاً.
إشارة:


ماذا تفيد الظامئين المنى
إن لم يروا ماءً بذاك السِّقاءْ

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved