الأستاذ محمد بن سعد بن حنين ذكر مزايا من اعمال الشيخ المربي الفاضل فالح السعدون رحمه الله والذي توفي في 1/8/1424ه وتلك المزايا مع وفاة الشيخ أثارت شجوني وحركت مشاعري فقد كان قدوة للأجيال وفاحصا للرجال وكان له من اسمه أوفر الحظ والنصيب وأحسبه والله حسيبه ممن قال الله تعالى فيهم:
{رٌجّالِ لاَّ تٍلًهٌيهٌمً تٌجّارّةِ $ّلا بّيًعِ عّن ذٌكًرٌ پلَّهٌ $ّإقّامٌ پصّلاةٌ $ّإيتّاءٌ پزَّكّاةٌ يّخّافٍونّ يّوًمْا تّتّقّلَّبٍ فٌيهٌ پًقٍلٍوبٍ $ّالأّبًصّارٍ}.
وممن عناهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «الناس كابل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة». وعاصرته من بعد عندما كان موجها في إدارة التعليم بالرياض ومن عرفه أو تعامل معه فإنه يحس بأنه كان رجل إدارة وتربية فقد كان يتحلى بصفات نادرة ومؤثرة وفي مقدمتها القوة والأمانة والصدق والصراحة وكان يحمل بين أضلعه قلبا سليما وعقلا حكيما وقولا سديدا مع نية صافية وخالصة.
وفي عام 1394هـ قابلت الشيخ لأول مرة عند إجراء مقابلة كمدير لمدرسة وكان هو رئيس وملح تلك المقابلة وكان اختيارا موفقا يؤجر ويُشكر عليه سعادة مدير التعليم في ذلك العام فصلاح المدير هو صلاح ونجاح للمدرسة والمجتمع عامة ورغم ان مقابلته لي ولأول مرة فقد كان اللقاء مثيراً ومؤثِّراً وصافياً فلم تحكمه العواطف ولا المجاملات وكنت اشعر انني أمام رجل لا كالرجال فأنت تهابه وتقدره معا.
ومن واقع منطقه وشعوره ومشاعره معك وتجاهك تشعر بأنك أمام رجل يخاف الله ويتَّقيه مستشعرا قول الله تعالى: {إنَّ خّيًرّ مّنٌ \سًتّأًجّرًتّ پًقّوٌيٍَ الأّمٌينٍ}.
وانه بأسئلته ونقاشه كان يبحث ويدعو إلى تطبيق العدل عملا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن شئتم أنبأتكم عن الامارة وما هي؟ أولها ملامة، وثانيها ندامة، وثالثها عذاب يوم القيامة إلا من عدَلْ». ومقابلته لمديري المدارس أثناء الترشيح لا تشوبها الواسطات ولا العلاقات ولا تتحكم فيها الروتينيات فقد كان يبحث عن القوي الأمين فهما ركنا كل إدارة ناجحة وكان يحس وبحرقة وحرارة ان إدارة المدرسة مغرم لا مغنم، وانها امانة ورسالة امامها سؤال وعليها حساب.
ولم تخدعه المظاهر ولا الظواهر ولم يكن همه تسديد خانات وتعبئة استمارات ولا حتى معرفة أرقام وتواريخ تعاميم بشرية قاصرة وجائرة وكان اكبر من هذا كله فالحياة بعد الكفاءة كلها مدرسة وتجارب والقلب هو بيت القصيد والميدان العلمي والعملي هما الفصل والفيصل. وفي مقابلته كان يزن ويختبر عقلك وقلبك ومن أنت؟ وما مواهبك ومؤهلاتك العملية.
وكان يثير ويستشير وفي اسئلته كان واضحا وفاحصا وناصحا وصريحا. وكان يدرك وبسرعة بأن اللسان دليل القلب.
يقول الإمام ابن القيم في كتابه الداء والدواء: «قال يحيى بن معاذ: القلوب كالقدور تغلي بما فيها وألسنتها مغارفها فانظر إلى الرجل حين يتكلم فإن لسانه يغترف لك ما في قلبه من حلوٍ وحامض ...».. وتذكرة ونصح للجميع وبما ان معظم الناس وخاصة في هذا العصر غالبا ما ينسون موتاهم بعد جفاف قبورهم كما أشار لذلك مؤلف كتاب تسلية المصائب بقوله: «إني رأيت يا أخي إذا مت سلاك أحبابك وهجرك أصحابك وأعرض عنك من انفقت العمر في محبته وأتعبت نفسك وبدنك في ملاطفته فهذا لا يخفى عليك»..
وردّاً لبعض حقوق الشيخ فالح وهي كثيرة فإنه وبعد انقطاع عمله يحتاج منا جميعا إلى رد الوفاء براً به وبأنفسنا.
وانني أوصي نفسي وأبناءه وزملاءه وطلابه في إدارة تعليم الرياض وغيرها من محبيه وعارفي فضله وقدره إلى العمل بما يلي:
أولاً: استمرار وتكرار الدعاء والاستغفار له يوميا وألا ننساه أمام جواذب ومُلهيات الحياة فللمسلم على أخيه المسلم حقوق وتتأكد هذه الحقوق إذا كان المتوفى عالما وعاملا. وفي كتاب الفوائد يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى عن تلك الحقوق: «المواساة للمؤمنين انواع: مواساة بالمال، ومواساة بالجاه، ومواساة بالبدن والخدمة، ومواساة بالنصيحة والارشاد، ومواساة بالدعاء والاستغفار لهم، ومواساة بالتوجع لهم».
وعن ثواب الاستغفار يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تُرفع للميت بعد موته درجة فيقول: أيْ ربّ! أي شيء هذا؟ فيُقال: ولدك استغفر لك».
ويقول: «من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة». وفي الصحيح: «إذا دعا الغائب لغائب قال له الملك: ولك مثل ذلك».
فهل من ذاكرٍ ثم مُشمِّر؟
ثانياً: بما ان الشيخ كان قمة وقدوة تحتذى فإنني أوصي أبناءه، ومحبيه ومعاشريه بجمع ما قد يوجد له من مذكرات تربوية أو سيرة ذاتية أو تجارب شخصية وكذا جمع ما كتب عنه من مقالات أو روايات أو مشاهدات وطبع ذلك في كتاب أو كتب متفرقة ليتم الاستفادة منها وليلحقها أجره وهو أحوج ما يكون إليه وكما ورد بالحديث «أو علم ينتفع به».
وأخيراً هل قلت شيئاً عن الشيخ فالح..؟
أسأل الله تعالى أن يختم لنا جميعاً بخير وأن يرزقنا صدق القول وحسن العمل وأن يجعل عملنا صالحاً ولوجهه الكريم خالصاً.
|