حينما نرى تدهوراً للعلاقات بين بلدين مسلمين متجاورين، فإن ذلك يعني بالنسبة إلينا نحن المسلمين الإحساس بالألم والحرقة، والخوف على الأمة الإسلامية كلها من داء التفرُّق والتشرذم والخلاف، فإذا علمنا أن لأعداء الإسلام والمسلمين من متعصبي النصارى واليهود «العنصريين» دوراً كبيراً خفياً أو معلنا في اذكاء روح هذا الخلاف بين المسلمين، زاد احساسنا بالألم والحرقة، وتعاظم عندنا الخوف على أمتنا الإسلامية التي يقودها التفرق من هزيمة إلى هزيمة، ومن ضعف إلى ضعف، ومن خضوع للأعداء إلى خضوع.
هنالك خطوط ساخنة، تكون ساكنة - أحياناً - كما يسكن البركان، تتمثل تلك الخطوط في حدود جغرافية تفصل بين الدول الإسلامية، وضعها المستغرب «المحتل» حينما مزَّق تلك الحدود بخطوطها الساكنة «الساخنة» هي التي تشكل خطورة على عالمنا الاسلامي.
ولاشك أن شعوراً بالتمايز والاختلاف قد نشأ في نفوس سكان كل دولة وقطر في عالمنا الاسلامي، وهذا الشعور «السلبي» هو من أسباب إبقاء الفتن وايقاظها في أوقات معينة، يعرف الأعداء مكانها وزمانها المناسبين.
فالمغرب العربي، والشام، والعراق ومصر، وجزيرة العرب، والهند والباكستان وايران ومناطق الإسلام في تركيا وآسيا الصغرى وأفريقيا وجنوب شرق آسيا؛ كلها تشكل جسداً واحداً تسري في خلاياه روح الإسلام الذي لا يفرَّق بين عربي ولا عجمي، ولا أبيض ولا أسود إلا بتقوى الله عزوجل.
هذا الجسد الاسلامي الكبير هو الذي نشكو اليوم من شتاته وتفرُّقه وضعفه، وخلافاته التي قد تصل أحيانا إلى درجة الحروب والاعتداء والقتل، كما حدث بين العراق وايران، وكما حدث في الصحراء المغربية، وما جرى من اجتياح لقوات النظام العراقي الماضي للكويت.
وإذا أردنا أن نعرف عمق العلاقة بين «أفغانستان وباكستان» فإن في سجلات التاريخ ما يؤكد لنا امتدادها تاريخياً إلى ما قبل نشوء دولة باكستان الحديثة، التي نشأت عام 1947م لتكون دولة إسلامية مستقلة عن الهند، حيث كان المبدأ الأول لفكرة باكستان هو الإسلام الذي جاء إلى القارة الهندية عن طريق أفغانستان، لأن سيرة الدعوة الإسلامية - تاريخياً - يؤكد لنا ان الدعاة الأفغان هم الذين جاءوا برسالة الإسلام إلى القارة الهندية في جنوب آسيا.
يقول البروفيسور «أليف الدين الترابي» في افتتاحية مجلة كشمير المسلمة في عددها الصادر في شهر رجب عام 1424هـ:«ويجدر بالذكر أنَّ أوَّل من جاء بالمطالبة لإقامة وطن خاص للمسلمين في شبه قارة جنوب آسيا هو المغفور له - إن شاء الله - السلطان شهاب الدين محمد الغوري، وذلك في خطابه الموجه إلى الملك الهندوسي برشوي راج في عام 1192م حيث طالب الملك الهندوسي بالانسحاب من المناطق ذات الأغلبية الإسلامية، ليقيم فيها وطناً خاصاً بالمسلمين، وبهذا يُعدُّ السلطان محمد الغوري المؤسس الأولّ لفكرة دولة مستقلة للمسلمين، ولم يوافق الملك الهندوسي برشوي راج على هذا الطلب، الأمر الذي أدى إلى نشوب الحرب الطاحنة بينهما التي انتهت بهزيمة برشوي راج، حيث قام السلطان محمد الفوري بانشاء الحكومة الإسلامية في هذه المناطق التي تقطنها الأغلبية المسلمة، وجعل مدينة لاهور عاصمة لها وعيَّن أحد نوابه وهو «قطب الدين أيبك» حاكماً عليها، وأعلن عن إنشاء سلطنة مستقلة جعل دلهي عاصمة لها في القرن السابع الهجري.
وقد استمر العهد الاسلامي في الهند إلى عام 1857م، حيث تراجع أمام الاحتلال البريطاني الذي استمر إلى عام 1947م، ثم ترك الهند بعد تأسيس حزب المؤتمر الهندي بزعامة غاندي ونهرو حيث كانت بداية العهد الهندوسي في القارة الهندية من جديد.
هنا ندرك ان العلاقة - كما أشار الكاتب أليف الدين - بين أفغانستان وباكستان علاقة تاريخية بعيدة المدى عميقة الجذور، قائمة على الرؤية الإسلامية التي انتشرت في تلك المنطقة.
وإني لأشعر ان خروج الاحتلال البريطاني من الهند، تاركا حكمها للهندوس، شبيه بخروجه من فلسطين تاركا حكمها لدولة اليهود المتعصبة، ولعل هذا يقرب إلى أذهاننا تفسيراً معقولا لهذا التكاتف والتعاون القوي بين الهند واسرائيل.
إن تدهور العلاقات بين الباكستان وأفغانستان يشكل خطراً كبيراً على الإسلام والمسلمين في تلك المنطقة، نسأل الله عزوجل أن يصدَّ ذلك الخطر بما يشاء.
إشارة:
ويلَ العدا كم ضلَّلوا الأفكار كم بعثوا جراحي
|