Sunday 26th october,2003 11350العدد الأحد 30 ,شعبان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

شدو شدو
على طرف لساني
د. فارس محمد الغزي

على الرغم من الشيوع اليومي للعبارة العامية (على طرف لساني)، فمحورها حقيقي.. بل هو علمي، وهي كذلك لكونها تتعلق بآليات عملية التذكر لدى الإنسان، وما يرتبط بذلك ويتفرع عنه من مفاهيم مثل النسيان وخزْن المخ للمعلومات وطرائق استرجاعها وغير ذلك مما محوره وظائف الذاكرة الإنسانية.
وقبل مناقشة المضامين العلمية لهذه العبارة دعني أولاً أمهد بالقول: إنه كثيراً ما يبث إلي العديد من طلبتي في الجامعة الشكوى من ضعف (ذاكرتهم)، ولا سيما خلال الاستعداد لامتحاناتهم الجامعية، حيث غالباً ما يداهمهم النسيان في قاعة الامتحان، هذا وقد اعتدت حين مواجهة مثل هذه التساؤلات تقديم النصح إليهم أولا بعدم الاعتماد الكلي على الحفظ وثانيا محاولة (الاحتيال) على الذاكرة حيث إن عملية التذكر عملية تداعي معلوماتي، ولكي تسهل عملية استرجاعها يتوجب اقترانها بمثير أو حافز دلالي كأن يشتقوا مثلا من موضوعاتهم أسئلة ويجيبوا عنها، كذلك فحين تتوارد الأفكار ترد المعلومات، ولهذا فطالما نصحتهم بتجزئة موضوعات الدرس إلى موضوعات فرعية ومحاولة تثبيتها في أذهانهم بطريقة كما قلت استدلالية.. أي من خلال (ربطها) بشيء ما.. بلون معين.. أو برقم خاص أو ما شابه ذلك. ففي مثل هذه الحالة يتوفر لهم اطار مرجعي من شأنه أن يعينهم على تذكر ما خزنوه في الذاكرة بطريقة منظمة منتظمة.
فالعلم يقول: ان الذاكرة الإنسانية خلقت ناقصة لا تمتلك القدرة على استعادة الأحداث بتفاصيلها التي وقعت بها، وربما أن هذه السمة هي ما يفسر انبهار العرب كما يوضح ذلك تراثنا حين يبرز بينهم (حافظة) ما.. استدلالا بكون القدرة على الحفظ اعتبرت وتعتبر (ملكة) من ملكات النبوغ والتفوق وفق معاييرنا الثقافية/ التربوية. وهنا أعود إلى عبارة (على طرف لساني) لأقول: إن حقيقة امتلاك الإنسان لذاكرة لا يضمن له ترف تذكر كافة الأشياء بنفس الطريقة التي تعلمها. فتعلم الشيء يختلف عن تذكره من حيث إن لكل منهما طرائفه وآلياته وأساليبه، ومن الأدلة على ذلك ما يحدث حين تحدث ظاهرة (على طرف لساني) وذلك حين يحاول أحدنا تذكر شيء ما.. شيء يعرف أنه يعرفه حق المعرفة، ومع ذلك بازدياد شحذه لذاكرته يزداد موضوعه المنسي في ذهنه تشوها وغموضا. والسبب في ذلك يعود كما قلت إلى حقيقة ما في الذاكرة الإنسانية من نقص فطري الأمر الذي يوجب عليك الثقة بأنك سليم من (باركنسونز ديزيز) أو مرض فقدان الذاكرة، كما أن ذاكرتك بريئة وسليمة من الضعف وأن ذلك أيضا لا يمثل أي عرض من أعراض التشتت الذهني لديك.
فكل ما في الأمر إنه حين ترد الكلمة المراد تذكرها إلى ذهنك يزداد قلقك خوفاً من عدم تذكرها، مما يجعلك تطاردها بسرعة (فتسبقها) بأميال ذهنية، لتصبح هنا مثل الرجل.. الذي لحق بالحرامي فسبقه.. كما تقول النكتة المعروفة. إنك في ذلك مثله تماماً لأن سرعتك بمحاولة تذكرك الحاد لها أضاع عليك فرصة الإمساك بها بمعنى إن رفعك لمعدل (سرعتك) دفع بك إلى تجاوزها وتخطيها، فالتركيز الزائد عن حده يؤدي أحيانا إلى النقيض منه.. التشتت.. أو كما يعرف ذلك علميا ب (التشويه: distortion) وبالمناسبة فهذه ظاهرة مسبورة علميا، وهناك عنها العديد من البحوث في اللغة الإنجليزية غير أن الحيز هنا لا يتيح مناقشة كافة مضامينها، إذن دعني اكتفي بالقول: إنه مثلما تقول (على طرف لساني) يقول الأمريكيون نفس المعنى (on the tip of my tongue).. إذن لا تقلق.. فالأمر انساني.. فقط إياك مرة أخرى أن تسابق عقلك فتفقده أقصد فتسبقه..!!

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved