شهر رمضان المعظم نعمة من أكثر النعم التي أنعم الله بها علينا، لما له من فوائد روحية وجسدية، ربما لا يعلمها الكثير من الناس، وكان من فضله أن جعله الله فرضاً ولم يتركه على الاختيار وإلا لما أقدم على الصيام الكثير من الناس لضعف إرادتهم على مقاومة الطعام ولجهلهم بفوائده العظيمة، حيث يخلص الجسم من الشحوم الزائدة والفضلات ومن المواد التي تترسب على جدران الشرايين فيقي من تصلب الشرايين وينشط عمل القلب والكليتين والجهاز الهضمي إضافة للعديد من الفوائد النفسية والروحية من هدوء وسكينة وانخفاض في نسبة القلق والتوتر. لكن شهر رمضان يعني للكثير من الناس أنه موائد مملوءة بمختلف أنواع الأطعمة الدسمة لتعويض ساعات الصيام والحرمان من الطعام فتبدأ المشاكل الهضمية.
والصيام يحدث بطء حركة الأمعاء مع نقص العصارة المعدية والمعوية وإفرازات البنكرياس، وبطء حركة الأمعاء يؤدي لزيادة فترة الراحة فيها وبما أن الراحة ضرورة فيزيولوجية فبعد هذا الشهر سيعود الجهاز الهضمي للعمل بنشاط وكفاءة أكبر.
ولكن لماذا يقل الإفراز الهضمي في الصيام:
إن آلية إفراز العصارة الهضمية لها مرحلتان:
المرحلة الأولى: وتحدث بمجرد التفكير بالطعام دون تناوله حيث تتحرض الغدد اللعابية فتزداد إفرازاتها وكذلك تزداد الإفرازات المعدية فإذا صام المرء بعزيمة روحية حقيقية غاب عنه التفكير بالطعام وقلت الإفرازات.
المرحلة الثانية: وتحدث عند وجود الطعام في المعدة، وإذا تساءلنا كيف تنعكس فائدة ذلك على الأمراض الهضمية نجد..
أولاً: مريض القرحة الهضمية:
يعاني المريض من آلام بطينية بسبب غياب الطبقة المخاطية والمخاطية العضلية في جزء صغير من المعدة أو الأثني عشر، ويحدث ذلك لوجود خلل في التوازن بين المفرزات الهضمية والغشاء المخاطي الذي يحمي الجدار الهضمي، ويزداد الألم بملامسة تلك المنطقة للمفرزات الحامضة. لذلك عند الصيام تقل الإفرازات وتتحسن الأعراض عكس ما يشاع أن مريض القرحة ممنوع من الصيام.
إلا في بعض الحالات الخاصة مثل القرحة الحادة جديدة الحدوث أو المختلطة، فقد يزيد الصيام الاعراض سوءاً ما لم تعالج لذلك لا بد لمريض القرحة من مراجعة طبيبه قبل الصيام لإعطائه الأدوية المناسبة التي تضمن له صوماً مريحاً.
* وهنا قد يتساءل البعض من أن هناك بعض الناس يشكون من أعراض هضمية كالألم البطني لأول مرة مع الصيام؟
- فنقول لأولئك إنه قد تكون لديهم قرحة قديمة غير معالجة وغير عرضية حيث تظاهرت أعراضها لأول مرة في الصيام، وبالمعالجة يمكنهم متابعة الصيام دون أي ضرر.
ثانياً: مريض القولون العصبي.
تعتبر متلازمة القولون المتهيج أو ما يسمى بالقولون العصبي من أكثر الاضطرابات الهضمية شيوعاً والتي تحدث عادة بين عمر 20 - 40 سنة وتترافق بأحد أو جميع الأعراض التالية:
ألم بطني - انتفاخ - غازات - إسهال - إمساك، بحيث يكون الغشاء المخاطي للقولون سليماً أي لا يوجد مرض عضوي، وإنما تحدث بسبب اضطراب حركية القولون والتي كثيراً ما تتحرض بالشدة النفسية.
لذا نجد أن المريض يرتاح كثيراً خلال ساعات الصيام بسبب:
1- أن الصيام يعطي هدوءاً نفسياً ويخفف من التوتر والشدة النفسية والقلق الذي يثير نوب تهيج القولون.
2- نقص الإفرازات الهضمية وبطء حركة الأمعاء يخفف الأعراض.
ولكن هذه الأعراض التي اختفت خلال ساعات الصيام قد تعود لتظهر شديدة بعد الإفطار بسبب كميات الطعام الكبيرة والمفاجئة للأمعاء التي كانت مرتاحة لحوالي 12 ساعة، ولكي نسيطر على هذه الأعراض لا بد من غذاء معتدل متوازن والابتعاد عن بعض الأطعمة كالحليب والبقوليات والمكسرات عند الذين يعانون من انتفاخ بالبطن، والتركيز على الخضراوات والفواكه عند الذين يعانون من إمساك، وأحياناً نضطر لاستعمال بعض الأدوية للسيطرة على الأعراض وكل مريض حسب حالته.
نصائح مهمة جداً
«المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء» والقاعدة الإسلامية في الحياة هي الاعتدال، فلا إسراف ولا تبذير ولا بد من الاعتدال في الطعام وعدم الإفراط بالكميات الكبيرة التي تثير آلاماً معدية أو تهيجاً بالقولون.
فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «كل وأنت تشتهي وأمسك وأنت تشتهي» لأن الطعام الكثير سيحدث تمدداً حاداً في المعدة والأمعاء، وبالتالي آلاماً بطنية وعسر هضم والأفضل اتباع السنة النبوية الشريفة في الإفطار بأن يكون على تمرات والحكمة من ذلك احتواء التمر على سكريات سريعة الامتصاص تزود الجسم بطاقة بعد تناولها بوقت قصير، فإن لم يكن فعلى ماء فاتر غير بارد، لأن الماء البارد يسبب انقباض الجهاز الهضمي وعدم تقبله للطعام. ثم القيام لصلاة المغرب وبعدها يمكن تناول الطعام المطهو بكميات معتدلة مع الابتعاد عن الأطعمة الدسمة الثقيلة.
وأخيراً لابد لكل مريض لديه شكوى هضمية من مراجعة طبيبه الخاص في بداية هذا الشهر حتى ينعم بصيام شهر مبارك هنيء بإذن الله.
د. صفاء الخيمي
بورد عربي في الأمراض الداخلية - ماجستير في الأمراض الهضمية
استشارية الجهاز الهضمي والمناظير
|