|
|
لا نبالغ إن قلنا بكل ثقة إننا أمة الحوار وأمة الإصلاح، فديننا الذي نحرص على اتباع هديه يدعونا إلى جعل الحوار من أجل إصلاح جزء من حياتها، ولست بحاجة هاهنا لإيراد النصوص التي تؤكد ذلك، فهو من الوضوح بما لا يحتاج معه إلى دليل فيكفي نظرة لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم التي تمثل معاني الحوار البناء بأجلى صوره ليس مع المخالف من أبناء الأمة فحسب بل ومع ألد أعداء الدين المعاندين وهو يرى بنور الوحي. ومع أن الأمة عبر تاريخها الطويل قد تنكبت لهذا الهدي الرشيد لفترات ضعف واضطراب متلاحقة أفضت إلى كوارث وانكسارات عظيمة، إلا أنها ما تلبث أن تعود إلى هذا الأصل الأصيل المرتبط بدينها الذي تتعبد الله باتباعه بصفته هدياً ملزماً لها تعبداً لله وليس لمصلحة آنية فحسب بل بدافع الحاجة الملحة لمقتضياته في الوصول إلى الحق والإصلاح المنشود، وإن من دواعي السرور والاطمئنان على مستقبل هذه البلاد أن تسرع الخطى لتسنم هذا الهدي الرشيد بفتح أبواب من الحوار الرحب مشرعة لكل مخلص ليعمل فكره ويطرح رأيه واجتهاده بكل حرية وشفافية غير وجل ولا هياب، في جو يسوده حسن الظن والتقدير مهما بعد مدى رأيه خارج تحليق السرب، مدركين أنه مع تبادل الآراء وتلاقحها سيصل الرأي الأغلب إلى القبول بالقول الراجح الذي يحقق المصالح العليا للأمة. وحيث إن الحوار وطرح الأفكار يعد في معناه العام ميداناً للتشاور والمداولة فإنه من المفترض أن يكون مركز الحوار الوطني ميداناً شعبياً يستوعب كافة ألوان الطيف الفكري بعيداً عن ثقل الاجراءات البيروقراطية الرسمية بحيث يكون له فرصة للتوسع والنمو حتى يكون له فروع في جميع المناطق ليتيح الفرصة لكل مواطن للمشاركة برأيه ونقده في جميع الأمور والقضايا التي تهمه من أجل تحقيق تفاعل إيجابي حقيقي بين المواطن والمسؤول يجسد قوة التلاحم والمشاركة في ملحمة البناء والتطور بما يحقق الرضا الناتج عن استشعار المسؤولية عن وطن يشترك الجميع في مساره ومضاره بشكل متوازن، وحيث أن هذا المركز في بدايات نشأته فإنه يحتاج إلى عمل جاد ودؤوب يجسد تطلعات ولاة الأمر في تحقيقه لأهدافه، وأرى أنه من الأهمية بمكان تواصل هذا المجلس مع مجلس الشورى الذي يمثل وجهة النظر الرسمية في حواره الداخلي ومناقشته لمختلف القضايا خاصة في هذه المرحلة التي لم يتعدَ دور مجلس الشورى دراسة ومراجعة الأنظمة والاتفاقيات وإقرار ما يحصل على الموافقة من أعضائه وهو بهذا الدور لم يتجاوز دور هيئة الخبراء بشكل مكبر لا يختلف إلا في الحجم الإداري والهيكل التنظيمي اضافة لبعض الصلاحيات التي لا ترقى إلى تطلعات المواطن الذي كان يؤمل في أن يكون هذا المجلس منبراً لهمومه واحتياجاته وليس من أجل إقرار مزيد من الأنظمة التي قد يكون في بعضها إثقال عليه إن على الصعيد المادي أو التنظيمي، ولعل فيما اقترحناه من فتح قنوات التواصل بين المجلس ومركز الحوار الوطني فرصة مواتية لتفعيل دور المجلس حتى يكون بحق سلطة عليا ذات هيمنة واسعة على القطاعات الرسمية التنفيذية لا من حيث المراقبة فحسب بل يتعدى ذلك إلى المحاسبة والمساءلة وحتى التوصية بالعقاب المناط بالقضاء المستقبل، وحينئذ سيكون لهذه المؤسسات دور ملموس في حل المشكلات ومواجهة الأزمات وتحقيق التشغيل الفاعل لجميع المؤسسات التي ستندفع للحرص على سد أي نقص أو قصور قد يجعلها تحت طائلة المساءلة والعقاب. لنجعل مركز الحوار الوطني فضاء رحباً لتقبل جميع الآراء والأفكار حتى يكون مصدراً مغذياً لمجلس الشورى الذي ينبغي عليه أن يعطي جميع ما يطرح في أروقة مركز الحوار الوطني ما يستحقه من اهتمام ومتابعة تجلي روح التواصل الإيجابي بين الرسمي والشعبي، ولن يتحقق هذا الأمل في رأيي إلا بإعطاء مجلس الشورى صلاحيات أوسع في معالجة جميع الأمور التي تهم المواطن وتفعيل دوره في المحاسبة والمساءلة بما يحقق تطلعات أصحاب الرأي المتحاورين في المركز الذين سيزيدهم التفاعل الرسمي ممثلاً في مجلس الشورى حرصا ً وتفانياً في الاستمرار لإنجاح هذا المشروع الطموح الذي ولد وينبغي أن تتضافر الجهود لنموه بأسرع وقت حتى يؤتي ثماره المأمولة بمزيد من التلاحم والوحدة والقوة في طريق الإصلاح الطويل والشاق بعيداً عن المطامع الشخصية أو النزعات الفئوية التي إذا قدر لها أن تهيمن على الفرقاء في مظلة الحوار هذه فستلقي بظلالها السلبية على أدبيات الحوار ومنطلقاته وبالتالي ستصيب هذا المشروع في مقتل - لا سمح الله -.. ومع ما يبديه البعض من تفاؤل بنجاح هذا المشروع إلا أنه ينبغي أن لا يأخذنا هذا التفاؤل بعيداً إلى الركون إلى الدعة التي قد تحدث صدمة بمجرد ما نكتشف العوائق والصعوبات التي ستواجهنا في هذا الميدان الحواري المفتوح، خاصة وأننا نعاني بحق من أزمة تعاطي ايجابية متجردة حينما نتحاور مع الآخر ولا نحرص على طلب الحق بقدر حرصنا على الانتصار على المقابل مهما كان الحق معه، وهذه معضلة سلوكية حادة تحتاج قدرة فائقة على التجرد من الهوى للانتصار على نوازع الشر الكامنة في نفوسنا بأن يكون رائدنا دائماً طلب الحق وتغليب المصلحة العامة للأمة على مصالحنا الخاصة الضيقة، ورغم أن الحوار يعد من لوازم ديننا إلا أننا وللأسف ولموروثات سلوكية واجتماعية وسياسية عايشتها الأمة ردحاً من الزمن جعلتنا نخفق كثيراً في الانتصار على الذات الآنية ونتجرد من نوازع الهوى حينما نتحاور فيما بيننا أومع الآخر، وللتخلص من هذه المعضلة الخطيرة نحتاج إلى كثير من المران والتربية والتصبر حتى نصل إلى مرحلة سلوكية يكون الهدف الأسمى لنا هو الوصول إلى الحق ليس غير، ومهما تعارض ذلك مع مصالحنا أو رغباتنا، ومهما كان مصدر هذا الحق مخالفاً لنا في بعض التوجهات، ومتى ما وصلنا إلى هذه المرحلة الراقية من السلوك الحضاري في الحوار وتبادل الآراء فإننا سنصل بإذن الله تعالى إلى ما نصبو إليه من وحدة الصف وحل المشكلات في جو يسوده الرضا والقناعة المفضية إلى العمل المنتج بما يحقق الاستقرار ويقطع الطريق على كل عدو حاقد متربص يضمر لهذه البلاد وأهلها الشر والعدوان. |
[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة] |