كل عام وأنتم بخير. لا أعرف بما سيختلف رمضان هذا العام عن الرمضانات السابقة. فمنذ سنوات والحياة في رمضان تحت سلطة القنوات الفضائية. هذا ليس جديداً، فالتاريخ يقر أن رمضان هو شهر العبادة وشهر السعادة حيث يتميز المسلمون عن بقية الشعوب الأخرى بالليالي المميزة لرمضان توظف فيه كل أشكال المتع الحلال من أطايب الأكل الى الألعاب المسلية الى حلقات القص والمرح.
لم يختلف عصرنا الحديث عن بقية العصور ولكنه تفرد بامكانات غير مسبوقة. اختلطت فيه الحداثة بالتراث فوظفت كل المخترعات الحديثة لخدمة الحياة التقليدية ولتكريس الروح الأصيلة عند الانسان المسلم. ولكننا تعودنا البكاء وعلى ضياع الأصالة في كل مرة يتقدم فيها الانسان قليلا ويضيف الى ما تعودنا عليه. لكن حركة التاريخ لا تلتفت لمثل هذا.في زمن من الأزمنة كانت الناس في المملكة تلعب مصاقيل وكعابة في ليالي رمضان ثم تطور الأمر وصارت الناس تلعب كورة «عندما جاءت الكورة»، وطاش ما طاش ليس جديداً وإنما هو الشكل الجديد لأم حديجان في ليالي رمضان.
حسبما نشر في هذه الجريدة وفي جرائد مختلفة سوف نشاهد هذه السنة أكبر عدد من المسلسلات التلفزيونية وهي ظاهرة رمضانية جديدة فرضتها القنوات الفضائية. كانت المسلسلات الرمضانية تركز على المسلسلات التاريخية والدينية ولكنها الآن توسعت لتشمل كل أشكال الدراما. وهذه المسلسلات تحت سيطرة مصر تليها سوريا والكويت ثم تأتي السعودية في الذيل باستحياء. والمشكلة ان العمل السعودي لا يتعدى السعودية والعمل الكويتي لا يتعدى الخليج ويبقى المصري والسوري على مستوى الفضائيات العربية كلها.
نحن في المملكة تعلمنا كيف نحتج وكيف نرفض وكيف نعارض وفي النهاية نكون أكبر مستهلك لهذه الأشياء التي عارضناها وحاربناها. ما نحرم على أنفسنا «إنتاجه» نشجع الآخرين عليه لنكون المستهلكين الأوائل له. فالفضائيات على سبيل المثال نحن أكثر من يشتمها ويدينها ولكن واقع الحال يقول إننا أكثر العرب متابعة لها وأكثر العرب دعماً مادياً لها وأكثر العرب امتلاكا لها حتى أصبحت موجهة بشكل صريح للسعوديين. فكل برامجها تؤقت حسب توقيت السعودية وحسب ظروف السعوديين. وفي النهاية صارت تصمم لتقدم لنا ما نمنعه عن أنفسنا. خذ مثال الدراما وهي أكبر صناعة اعلامية تصيغ عقول الناس بدأناها منذ أربعين سنة من أيام فرج الله وأبومسامح ومع ذلك ما زالت تراوح في مكانها.
أربعون سنة لم تتحرك خطوة واحدة. ليس لأن الأخوة في التلفزيون لا يرغبون في تطوير الدراما بالعكس فالأخوة في وزارة الاعلام يبذلون جهودا كبيرة ويكرسون ميزانية ضخمة لتطوير الدراما المحلية ولكن مناخ نمو الدراما على المستوى الاجتماعي تمت مصادرته من قبل فئة قليلة. وبسبب هذه الفئة القليلة التي جاملناها أكثر مما يجب بدأنا نفقد قدرتنا على المبادرة والمشاركة وانتاج الثقافة وأصبحنا مستهلكين لكل ثقافة ينتجها أي أفاق. فالذي يرفض أن يكون منتجا يقبل مرغما ان يكون مستهلكا. هذه سنة الحياة. وكل عام وأنتم بخير وتمتعوا بثقافة لم تشاركوا في إنتاجها.
فاكس: 4702164
|