* الرياض/ الجزيرة:
* قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله: إن العلماءوجميع الدعاة وانصار الحق أوصوا بتجنب المسيرات والمظاهرات التي تضر الدعوة ولا تنفعها وتسبب الفرقة بين المسلمين والفتنة بين الحكام والمحكومين. وقال: إن الواجب سلوك السبيل الموصلة الى الحق واستعمال الوسائل التي تنفع ولا تضر وتجمع ولا تفرق وتنشر الدعوة بين المسلمين، وتبين لهم ما يجب عليهم بالكتابات والاشرطة المفيدة والمحاضرات النافعة، وخطب الجمع الهادفة التي توضح الحق وتدعو اليه، وتبين الباطل وتحذر منه، مع الزيارات المفيدة للحكام والمسؤولين، والمناصحة كتابة او مشافهة بالرفق والحكمة والاسلوب الحسن، عملا بقول الله عز وجل في وصف نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {فّبٌمّا رّحًمّةُ مٌَنّ اللَّهٌ لٌنتّ لّهٍمً وّلّوً كٍنتّ فّظَْا غّلٌيظّ القّلًبٌ لانفّضٍَوا مٌنً حّوًلٌكّ } الآية.
وقوله عز وجل لموسى وهارون عليهما الصلاة والسلام لما ارسلهما الى فرعون: {فّقٍولا لّهٍ قّوًلاْ لَّيٌَنْا لَّعّلَّهٍ يّتّذّكَّرٍ أّوً يّخًشّى" }
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسرا وتطاوعوا ولا تختلفوا» وقوله صلى الله عليه وسلم: «ان الرفق لا يكون في شيء الا زانه ولا ينزع من شيء الا شانه» وقوله صلى الله عليه وسلم : «من يحرم الرفق يحرم الخير كله» وكل هذه الأحاديث صحيحة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: «اللهم من ولي من امر امتي شيئا فرفق بهم فارفق به اللهم من ولي من امر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه» والاحاديث في هذا المعنى كثيرة.
والله المسؤول ان يصلح أحوال المسلمين جميعا ويجمع كلمتهم على الحق، وان يصلح قادتهم وولاة امرهم، ويوفقهم لتحكيم شريعته والرضا بها وايثارها على ما سواها، وان ينصر بهم دينه ويعلي بهم كلمته، وان يعينهم على كل ما فيه صلاح امور دينهم ودنياهم، وعلى كل ما فيه سعادتهم وسعادة شعوبهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة، وان يوفق علماء المسلمين ودعاة الاسلام لاداء ما يجب عليهم على الوجه الذي يرضيه، وان يبارك في جهودهم وينصر بهم الحق ويعينهم على كل ما فيه صلاح العباد والبلاد انه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ويقول الشيخ هاني بن جبير في بحث قيم حول «المظاهرات» نشرته مؤسسة الحرمين في موقعها الرسمي على الانترنت:
أولاً: تعريف المظاهرات:
المظاهرات جمع مظاهرة والمظاهرة مفاعلة من الظهر. يقال ظهر: اي تبين واظهرته: اعنته. واستظهر به استعان. والتظاهر: التعاون.
قوله تعالى: { تّظّاهّرٍونّ عّلّيًهٌم} «البقرة: 85» اي تتعاونون عليهم.
وفي المعجم الوسيط: «المظاهرة: اعلان رأي او اظهار عاطفة في صورة جماعية».
وسماها في المنجد الابجدي تظاهرات جمع تظاهرة.
وقال:«هي اجتماع الناس وخروجهم الى الشوارع للمطالبة بأمر او لتأييد قضية او للاحتجاج على شخص او شيء». فاذا حصل الاجتماع مع التزام بعدم الخروج من موضع معين لفترة محددة او الى ان تتحقق المطالب فهذا يسمى: اعتصاما. والاعتصام افتعال من اعتصم: اي امتنع به ولجأ.
حكم طاعة ولي الأمر
من أصول أهل السنة التي باينوا بها غيرهم انهم يرون وجوب السمع والطاعة لولاة الامر من المسلمين في غير معصية.
قال تعالى: {يّا أّيٍَهّا الّذٌينّ آمّنٍوا أّطٌيعٍوا اللَّهّ وّأّطٌيعٍوا الرَّسٍولّ وّأٍوًلٌي الأّمًرٌ مٌنكٍمً } سورة النساء:59 وولاة الامر هم الامراء والعلماء.
وعن ابن عمر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: «على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة». وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله أنه قال: «من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن أطاع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني».
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في الحديث: وجوب طاعة ولاة الأمور، وهي مقيدة بغير الأمر بالمعصية، والحكمة في الأمر بطاعتهم المحافظة على اتفاق الكلمة لما في الافتراق من الفساد». فإذا أمر أحد الولاة مسلماً بمعصية لم تجب طاعته بل تكون محرمة. وإذا أمره بغير المعصية وجبت طاعته وامتثال أمره. فإذاخالف فإنه يكون عاصياً لسلطانه مرتكباً لذنب يأثم عليه ما لم يكن له تأويل في عصيانه. فإن المتأول ليس بآثم». وفي ضوء ما سبق يظهر أن الصور الآتية ليست من معصية ولاة الأمر:
1- عدم طاعة السلطان في معصية الله.
عن علي رضي الله عنه قال: بعث رسول الله سرية واستعمل عليهم رجلاً من الأنصار وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا، فأغضبوه في شيء، فقال: اجمعوا لي حطباً، فجمعوا له، ثم قال: أوقدوا ناراً، فأوقدوا، ثم قال: ألم يأمركم رسول الله أن تسمعوا لي وتطيعوا، قالوا: بلى، قال فادخلوها، قال: فنظر بعضهم إلى بعض فقالوا: إنما فررنا إلى رسول الله من النار، فكانوا كذلك، وسكن غضبه، وطفئت النار لما رجعوا ذكروا ذلك للنبي فقال: «لو دخلوها ما خرجوا منها، إنما الطاعة في المعروف». وهذا محل إجمال: أن طاعة الأمراء في المعصية محرمة.
2- مناصحة السلطان والإنكار عليه.
عن طارق بن شهاب قال: أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان، فقام إليه رجل فقال: الصلاة قبل الخطبة، فقال: قد تُرك ما هنالك، فقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: أما هذا فقد قضى ما عليه سمعت رسول الله يقول: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان». وسواء كان ذلك بالرفق والأسلوب الحسن أو بغيره.
حكم الخروج على ولاة الأمر
استقر قول أهل السنة على تحريم الخروج على ولاة أمر المسلمين ما داموا على الإسلام. ولم يضيعوا دولتهم ودينهم. ولو ارتكبوا مع ذلك المعاصي أو اختصوا عن المسلمين بحظوظ الدنيا. وأساس تحقق الخروج أن يكون فيه منازعة ومنابذة في الإمرة والولاية وهي المقاومة والمقاتلة إما بإعلان نقض البيعة والدعوة إلى ذلك أو مقاتلة السلطان أو نحو ذلك وإذا لم يكن ثمة منازعة ومنابذة فلا يكون خروجاً.
عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات إلا مات ميتة جاهلية».
طريقة نصيحة ولاة أمر المسلمين
الأصل في مناصحة الولاة والإنكار عليهم أن تكون بالسر لا بالجهر. وهو الأصل في النصيحة عموماً. عن عياض بن غنم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية، وليأخذ بيده فإن سمع منه فذاك وإلا كان أدَّى الذي عليه». وعن أسامة بن زيد رضي الله عنه أنه قيل له: ألا تدخل على عثمان لتكلمه؟ فقال: «أترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم؟ والله لقد كلمتهُ فيما بيني وبينه من دون أن أفتح أمراً لا أحب أن أكون أول من فتحه». ومراده أنه لا يفتح باب المجاهرة بالنكير على الإمام لما يخشى من عاقبة ذلك.
ضوابط وسائل النصيحة والتعبير عن الرأي
* . وجعل ذلك سبب خيريتها {كٍنتٍمً خّيًرّ أٍمَّةُ أٍخًرٌجّتً لٌلنَّاسٌ تّأًمٍرٍونّ بٌالًمّعًرٍوفٌ وّتّنًهّوًنّ عّنٌ المٍنكّرٌ وّتٍؤًمٌنٍونّ بٌاللَّهٌ} *آل عمران: 110* .
وجعل النصيحة من الدين عن تميم بن أوس الداري رضي الله عنه قال: قال رسول الله :«الدين النصيحة قلنا لمن. قال: لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم». كما أنه كفل لأتباعه التعبير عن آرائهم - فيما يسوغ ذلك -.
نظرة في واقع المظاهرات..
يحتاج الناظر في حكم المظاهرات ان يستطلع ما فيها من مصالح ومفاسد إذ الشرع لاشك آمرٌ بتحصيل المصالح ودرء المفاسد، آخذٌ بالراجح منهما. عند التعارض. ولذا فإني سأحاول هنا أن استعرض المفاسد والمصالح الناشئة عنها ليكون ذلك على ذُكر من الباحث عند بيان الحكم الشرعي.
1- فمن محاسن المظاهرات والمصالح التي فيها: أنها وسيلة فعالة للتعبير عن الرأي، واظهار الارادة، فيمكن بها انكار المنكر وابلاغ الفكرة عن عدم التمكن من الوسائل المعتادة مع سهولة ممارستها إذ لا تستدعي قدرات انشائية، ولا طاقات إعلامية، ولا مساندة مادية. ولذا فهي تساعد على تحقيق بعض رغبات الأقليات المستضعفة كما ان الإعلام العالمي يحرص على تتبع المظاهرات وتغطيتها، ويعتبرها مادة إعلامية جيدة. وهي لذلك تنمي الاحساس بالمشاركة المعنوية والحس الأخوي، وتنفس عما يصيب بعض الشعوب والفئات من ضيق من بعض الأمور. وهو مظهر للرغبات الحقيقية إذا صودرت الرغبات وحبست الارادات.
ومن مفاسد المظاهرات:
- أنها تطفئ الحماس المتوقد لدى الشعوب بأمر ليس وراءه جدوى فعلية!! فيشعر المشارك بعد جهده البدني الذي بذله في مسيرته أنه قدم شيئا مع ان الواقع لم يتغير.
- كما أنها تنافي الوحدة والاجتماع الذي أمر به المسلمون عندما يتظاهر فئات ضد فكر أو مقصد يتبناه غيرهم.
- وهي أيضا تتيح المجال لمن يريد الافساد والتخريب إذ يضيع الجاني بين مئات المتجمهرين، وهي مرتع خصب لمثل هذه الأحداث بل قد يفعلها بعض المتظاهرين إطفاء لحماس أو إظهاراً لغضب.
- ولذا فهو يدعو للمواجهة مع الطرف المتظاهر ضده، ولو كان المتظاهرون لم يتهيئوا لمثل هذه المواجهات. إذ أعطوا له إحساساً بوجود قد يكون أكبر من حجمه الحقيقي.
- وهو إضافة لكل ذلك يتيح المجال لأصحاب الأفكار الدخيلة والمبادئ الوضعية المنبوذة إبداء رأيهم والمطالبة برغباتهم.
- أضف لذلك تعطيل مصالح الناس لإغلاق المكاتب وزحام الطرقات، والأذى الذي يلحق المتظاهرين إذا حصل صدام مع أجهزة الأمن.
ثالثاً: حكم المظاهرات:
لاشك ان المظاهرات حادثة في بلاد المسلمين وافدة عليهم، ولذا لم يكن البحث في حكمها مما يذكره الفقهاء المتقدمون ولا المؤلفون المتأخرون. وأما المفتون المعاصرون فلهم فيها فتاوى، بعضهم يمنعها وبعضهم يبيحها، والظاهر أن حكمها يختلف حسب الاعتبارات الآتية:
أولاً: المظاهرات في البلاد الاسلامية:
ففي بلد الاسلام التي يحكمها سلطان مسلم تجب طاعته لا يخلو إما أن يأمر الإمام بها أو يأذن بممارستها أو يمنعها.
أ- فإن أمر بها وأذن: فإنه يجوز للمسلم أن يشارك فيها بشرط: ألا تتضمن محرما ولا تدعو الى محرم ولا يكون فيها اعتداء على معصوم أو محترم، وذلك ان الأصل في أوامر ولاة الأمور أنها تفيد الوجوب في غير معصية. والأصل في أوامرهم أن تبنى على نظر مصلحي يستتبعه هذا الأمر. وإذا كان الأصل في وسائل التعبير عن الرأي والدعوة اليه: أنها اجتهادية مصلحية؛ ساغ لولي الأمر أن يأمر منها بما يراه محققاً للمصلحة الغالبة. وقد كان من الهدي القديم ان يدعو الولاة الناس إذا حزب أمر فينادي مناد: الصلاة جامعة، أي الدعوة عامة. والمظاهرة اجتماع عام بأمر سلطان مطاع يعلم ما يترتب عليه.
ب- وإن نهى عنها السلطان، أو لم يأذن بها: فإن الظاهر أنه لا تجوز اقامتها ولا المشاركة فيها. ما لم تتفرد وسيلة لإنكار المنكر.
وذلك أنها إن أقيمت لغرض الانكار على الحاكم فسبق أن الأصل أن يكون ذلك سراً لا جهراً. وإن كانت لغرض آخر فإن لولي الأمر أن يمنع وسيلة معينة من وسائل البلاغ وإبداء الرأي؛ إذا رأى ذلك. كما أن له أن يقيد المباح ويضبطه متى ظهر له ذلك. وهو لا يأمر وينهى إلا بناء على مصلحة الجماعة ولمقصد يستهدف الخير لها. وأما لو تصرف على خلاف هذا كان تصرفه غير جائز. ولذا درج أهل العلم على اعتبار قاعدة تصرف الإمام بأنه «منوط بالمصلحة». ويشهد لذلك قصة عمر مع عمّار، فإن رجلا أتى عمر ابن الخطاب فقال إني أجنبت فلم أجد ماء فقال: لا تُصلِّ فقال عمّار أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا لم نجد الماء فتمعكت في التراب وصليت فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ثم تمسح بهما وجهك وكفيك، فقال عمر: اتق الله يا عمار. قال: إن شئت لم أُحدِّث به. قال النووي: يعني إن رأيت المصلحة في إمساكي عن التحديث به راجحة أمسكت فإن طاعتك واجبة. ولا شك ان المظاهرات مما يترتب عليه جملة مفاسد كما سبق - مع ما فيها من المصالح. ومن تتبع ما وقع من مظاهرات في البلاد الاسلامية قديما وحديثاً علم أن نفعها لا يوازي ما أدت اليه من ضرر بأهلها وغيرهم. وإذ قرر أهل العلم أن درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح. إلا ما كانت مصلحته أرجح.
لذا فإن إناطته بولي الأمر أنسب وألبق.
|