قالت صويحبتي الغافلة: كنت عاتبة عليك كثيراً بسبب تجاهلك لي وكاد ان يمزقني الألم ولكن حينما عرفت انك بصحة جيدة سعدت كثيراً.. ويحك انك في جهل مبين.. واعذر قصور معرفتك ان تصل إلى مستوى الألم الذي تشعر به القلوب الصادقة حينما ترتطم بالحوائط والأزقة هربا من حزن عميق يقضي عليها بوحدتها وتتآزر مع الزمن ليكون زنزانة حزن في جبل سحيق.. اعذر كل سطحيتك فأنت لم تقفي على أعتاب الألم الذي يجعل الطير يرقص من شدة الأسى.. ولن احكم عليك من منظورك العجيب لئلا أشعر بالفعل انك أسعد الناس إنسانا، فليس هناك مثلك شخص يهرب من الحزن ثم يجدد حياته مع بريق من الأمل.. أما نحن أصحاب القلوب الصادقة فنهرب من الألم إليه نجده متكأ على وسائدنا ينتظرنا بفارغ الصبر ويبث أشواقه مثل أي حبيب متيم.. لن أبالي بمنظورك هذا فهو وسيلة دفاع لإنسان ينخر الذنب في عظمه ليتخبط مثلك الآن..
ارحلي ايتها الراحلة.. لن اقف على قمة جبل وأهوي إلى واد سحيق ولن اعدّ النجوم فقد سبق وعرفت عددها ولن انتظرك على قارعة الطريق فأنت على الاطلاق لا تعرفين سكة العودة فهي ليست مرسومة على خارطة القلوب الساخطة.
ارحلي فقط.. ولا تفكري بشيء بعد الرحيل إلا ان يكون الرحيل حياة جديدة ومشوارا طويلا فأنا لا أحب الآفلين..
ويتبقى لك أشياء يمكنك استرجاعها عقد يتدلى في مرآتي اطلاقا لا انظر إليها وصورة تركتها للزمن يعرف رقمها السري ويستخرجها بعد ان اموت.. ويبقى شيء آخر لا يعنيك بشيء أعدك ان يكون محطة أزورها كلما احتجت ان استرجع فعلة الزمن وخطوط الطول ومتاهات العرض وعاطفة «كانت» تخضع لكل قواعد اللغة لتكون ما زالت ويا ليتها لا تزول..
يبقى لك الآن دمعة أبت الا ان تشاركني تأبينك داخل اعماقي فلن يكون لنا الخيار ولكني كما عرفتني لن اسلمك مفاتيح الكرامة فلن تكوني بالتأكيد أغلى ولا أعظم منها فهي تجعلني أتبتل إلى ربي تبتيلا وأسأله ألا يدع للحزن مكانا في قلبي.. وثقتي انه سبحانه سيستجيب فهو عزَّ وجلَّ عودني على ذلك، جئته بملء الأرض ذنوبا وجاءني بملئها مغفرة «أفلا أكون ايتها العزيزة عبدا شكورا»؟!!!
ولعل قمة الشكر ان اقفل الباب خلفك وامحو آثار أقدامك التي تمنع بريق الأرض ولا التفت يمنة ولا يسرة حينما تتحرك يد الباب لتتنبأ بزائر بعيد.. سأغلق كل الستائر خلف النوافذ المغلقة وسأترك بقية أنفاسك تتبخر مع المنافذ الجبرية فليس لدي خيار في ذلك.. سأمنع حتى أنفي ان يستعيد رائحة عطرك ولن أعاود السؤال عنك من جديد.. سأقف شامخة كما أنا دائماً لا أنحني لأمر قد يفقدني بريق أمل جديد!!!
سأقف في ذهول كلما جمعتني الظروف بك رغم انفي.. لأن ذهولي لا يدع العاطفة تصنع ما تشاء سأودعك حتما وليس بعد الوداع حديث جديد.
فلا.. تناديني وصوني قلبك الله لا يهينه
لا يراهن في رجوعي لاجل ما يخسر رهانه(1)
(1) للشاعر: حامد زيد
|