في محاضرة ماتعة ألقتها الأستاذة الدكتورة «بربارا ميخالاك» القادمة من بولندا باللُّغة العربية عن أثر آداب الشرق في الشعراء والناثرين ببلادها..، لم يكن التأثير الذي تحدثت عنه جديداً علينا، إذ إنَّ ما تركه الشعر العربي ونثره، بل الحضارة العربيّة والشرقيّة في الغرب تذهب بقصصها الركبان، وتُقْضى عليها الأماسي ويسهر عليها الباحثون، ويستمتع بها الراحلون...
بل كان الأثر الجميل الذي تركته باربرا في الحاضرات، هو أنَّها جاءت من هناك تتحدث إلينا بلغتنا في تبادل الأدوار حين يذهب العرب وهم يضعون لغتهم داخل محافظهم، بينما هي فعلت المثل إذ وضعت لغتها داخل محفظتها، وانطلقت بلغة الضاد.. امرأة بولنديّة راحلة في مراكب عبق الشرق.. قادمة من كراكوف ببولندا وعلى عاتقها مسؤولية البحث في علائق البشر من خلال الكلمة المؤثِّرة.
***
لم تقع بربارا في مأزق سؤال «شريفة العبودي» الذكي: لماذا يغفل عن التوثيق ما جاء من حضارة الشرق فيما يقدمه الباحثون البولنديّون لشعبهم ويردُّون «الآثار» المنقولة إليهم إلى أصحابها؟ لماذا تُسند الحضارات إلى غير أهلها، فقبل الإغريق هناك حضارة ما بين الرافدين، والمصريين، و... إلى آخر السلسلة التي يرددها القوم لأبنائهم...
فأكدت بربارا بأنَّ هذا القصور من الباحثين العرب الذين يتقنون اللُّغات العالمية،... فثمَّة ما عليهم فعله إن أرادوا أن يخرجوا من العجين الذي تُطمس به نوافذ الشعوب إلى تراثهم.
***
سبع طالباتٍ من مدارس متوسطة حضرن محاضرة بربارا...
ومنهنَّ ثلاثٌ كنَّ يوجهنَّ إليها الأسئلة بوعيٍّ: «لأنَّكِ تتحدثين العربيّة، فلماذا لا تكون هناك برامج في مدارسكم لتدريس اللُّغة العربية لتلاميذكم»؟.
ضحكت بربارا وهي تقول:«دراستي للُّغة العربيّة كانت محض صدفة، أيقنت أنَّه القدر»..، فهل.. يقدَّر للُّغة العربية أن تكون محور اهتمام الأنظمة التعليمية العالميّة؟!... ذلك ما يوحي به سؤال الصبيَّة الذكيَّة وهي تجلس ليس لدرس القراءة أو الإنشاء، بل لمحاضرة تلقيها امرأة أجنبيَّة تنقل لها أثر التراث الأدبي العربي في تراث الأوروبيين والبولنديين تحديداً...
***
تلك الأمسية
كانت أبواباً لكثير من الفرح...
من الأسئلة؟
من الحيرة: متى يتراصّ عدد الحاضرات في مثل هذه المحاضرات القيِّمة أسوة بما يكون في سواها؟...
***
ومرحباً بباربرا ذات اللِّسان العربيّ..
وتحيّة لمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات....
|