* الجزيرة - خاص:
قال فضيلة الشيخ الدكتور ناصر بن عبدالكريم العقل أستاذ العقيدة بكلية أصول الدين بالرياض إن ظاهرة العنف عالمية أممية لا تخص المسلمين، وأن أعداء المسلمين توسعوا في مفهوم العنف، حتى أنهم وصفوا بعض الوسائل الشرعية وتطبيق أحكام الإسلام من العنف، وهذا خلط وتلبيس.
وناشد فضيلته في حواره مع «الجزيرة» طلبة العلم والدعاة بالتعاون مع وسائل الإعلام، وخاصة في هذه الظروف التي تعيشها الأمة.
كما تناول الحوار مع د. العقل اعتماد الشباب على فتوى معينه، والخطاب الإسلامي وغير ذلك من القضايا.. وفيما يلي نص اللقاء:
* بعض المتحمسين من الشباب يعتمد في سلوكه على فتوى معينة أورأي لشيخ.. ماذا تقولون لمثل أولئك الشباب؟
- ليس من العيب أن يعتمد المسلم في سلوكه على فتوى من يوثق بعلمه، أو رأيه، إذا كانت هذه الفتوى وهذا الرأي تناسب الحال شرعاً، إنما العيب إذا كان التعلق بالفتوى والرأي لمجرد الانتصار للرأي والهوى، أو كان وسيلة لتحقيق أمر غير مشروع دون مراعاة لاختلاف الحال والظروف، أو كانت خارجة عن منهج الاعتدال والحكمة.
ومرد هذه الظاهرة عوامل كثيرة لعل من أهمها إهمال جانب التربية على الأدب وإغفال المنهج الشرعي السليم في تناول الأحكام وتطبيقها.
وأنصح أبناءنا طلاب العلم، والدعاة، وسائر الشباب بالحذر من غوائل الانفلات عن منهج السلف الصالح في تلقي العلم والرأي من العلماء والعناية بمنهجهم في الاستدلال والفقه في الدين ومنهج التعامل مع الأشياء والأشخاص والأحداث، والذي يقوم على التأني والفقه والرشد والمرجعية للعلماء الراسخين وأهل الرأي والتجرية.
* بعد الأحداث المتلاحقة على الساحتين الإسلامية والدولية..يطالب البعض وبالذات من الرموز السياسية أوالإسلامية بإعادة صياغة أو تجديد الخطاب الإسلامي.. فهل مشكلة المسلمين في ذلك؟ ولماذا لا يزال البعض ينفر من الخطاب الديني الموجه لهم؟
- الخطاب الإسلامي نوعان:
الأول: فيما يتعلق بالعقيدة والأحكام القطعية وثوابت الدين ومسلماته مثل: أركان الإيمان، وأركان الإسلام، وأصول الدين الأخرى، والتزام السنة والجماعة، وتحقيق المصالح الكبرى، ودفع المفاسد العظمى، فهذه ثوابت في الخطاب الموضح، وهي محسومة الثبوت بالوحي المعصوم، والإجماع المعتبر (نهج السلف الصالح).
الثاني: الخطاب الوعظي، والإعلامي، والسياسي، والاجتماعي، والثقافي، ونحوه فهو خطاب متطور يجب أن يستخدم فيه المسلمون أحسن وأحدث الصياغات والوسائل والأساليب المتاحة والمباحة في حدود الضوابط الشرعية.
* يدعو البعض إلى عدم الأخذ بأحكام السنة بزعم أن في القرآن الكريم الكفاية لأن السنة تحوي الضعيف والموضوع.. فما رأيكم؟
- هذه المقولة من المقولات الهدامة وقد حذَّر منها النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح، كما أنها تناقض قطعيات القرآن نفسه، إذ يقول الله تعالى { وّمّا آتّاكٍمٍ الرَّسٍولٍ فّخٍذٍوهٍ وّمّا نّهّاكٍمً عّنًهٍ فّانتّهٍو}
وقال عن النبي -صلى الله عليه وسلم- «ويعلمهم الكتاب والحكمة» وهي السنة.
وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في الحديث الصحيح: «وإني أوتيت القرآن ومثله معه»، وقد ميز أئمة الدين الصحيح من الضعيف من السنة بأسلوب علمي متأن لأن الله تكفل بحفظ الدين «القرآن والسنة» لكن القوم لا يعقلون وما أظن مسلما تنطلي عليه هذه الفرية.
* البعض يحملون على بعض الخطباء والدعاة لخوضهم في مسائل ليست من اختصاصهم مثل المسائل السياسية والاقتصادية بحجة أنهم غير ملمين بهذه الأمور، وقد يخطئون في تشخيصها أو يتوسعوا في أمور لا يفهمونها.. كيف ترون ذلك؟
- الخوض في هذه المسائل ليس حكراً على أحد لكنه مشروط بالإتقان والمعرفة، فالله تعالى يقول {وّلا تّقًفٍ مّا لّيًسّ لّكّ بٌهٌ عٌلًمِ}، والدعاة والخطباء والعلماء هم أولى من يرشد الناس في هذه الأمور بالضوابط الشرعية وعلى بصيرة، وبالحكمة والخطاب الراشد المناسب.
* ظاهرة العنف التي ينظر لها على أنها مرتكزة في العالم الإسلامي لماذا نشأت وهل هي فعلاً ظاهرة إسلامية؟
- ظاهرة العنف ليست على اطلاقها.. والوجه الصحيح منها عالمي أممي لا يخص المسلمين، كما أنه يجب أن نعرف أن أعداء المسلمين وأهل الأهواء والنفاق توسعوا في مفهوم العنف حتى صاروا يصفون بعض الوسائل الشرعية مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله، وتطبيق أحكام الإسلام في القضاء والحدود ونحو ذلك من العنف وهذا خلط وتلبيس.
نعم يجب أن نعترف أنه يوجد بين المسلمين كغيرهم بعض المتجاوزين الذين يتعاملون مع الأشياء والأشخاص والمخالفين والمواقف بشيء من الحدة والعنف أحياناً، وهذا لا يقره أهل العلم والفقه والرشد من المسلمين، ولا يحسب على منهج الإسلام والسنة الذي يعتمد على الحلم والحكمة والعلم والفقه، والحزم والرفق.
* عزوف بعض طلبة العلم والدعاة عن المشاركة في وسائل الإعلام.. إلى من تعزوه هل للإعلام أم لطلبة العلم والدعاة؟ وما أثر مشاركة المشايخ في وسائل الإعلام؟
- نعم كثيرون من أهل العلم والدعاة قد يتورعون عن الإسهام المباشر في كثير من وسائل الإعلام أو بعضها لأن أكثرها (مع الأسف) غير لائق وغير مناسبة، وغير مهيأة أخلاقياً وفكرياً وينفذ من مسلكها أهل الاستقامة والفضل وآخرون يتهيبون المشاركة في هذه الوسائل مما سبق كذلك، وآخرون فيهم تخاذل وكسل وإحجام لا مبرر له.
نعم أكثر وسائل الإعلام (كالفضائيات) غير مهيأة ولا مناسبة وغير لائقة لانطلاق الخطاب الإسلامي الرشيد منها، ومع ذلك فإن هناك وسائل جيدة وفضائيات مناسبة، وعدم تعاون الدعاة معها بالقدر الكافي خذلان غير جائز في هذه الظروف التي تعيشها الأمة،
فقد ثبت أن إسهام أهل العلم والرشد في إيصال الحق للناس عبر وسائل الإعلام له أكبر الأثر الطيب حتى أصبح في نظري ضرورة، لكن بالضوابط الشرعية ومن غير انفلات ولاانغلاق، لكن سددوا وقاربوا.
|