Friday 24th october,2003 11348العدد الجمعة 28 ,شعبان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

قصة قصيرة قصة قصيرة
هناك يشتد.. البلاء..
فاطمة عبد اللة النويصر

جلس أحمد.. يفكر في مستقبله.. فقد توظف منذ فترة.. ولكنه الان يبحث عن شريكة العمر.. التي تقاسمه أحلامه.. التي تمناها.. فهو لا يرى أن أي شريكة تناسبه.. مهما اشتد جمالها أو مالها.. ولكنه يطمح إلى الأغلى والأثمن في نظره.. أحمد.. كانت شخصيته عاقلة ومثقفة وواعية كما يصفه.. أهله.. وهي الشخصية التي تتضح مباشرة لمن يحاورها او يجلس للحديث معها.
عرض احمد فكرة هذا الزواج على أهله.. وأصر ان تكون فتاته هي ذلك الحلم الذي طالما تمناه.. فهو يريدها ملتزمة.. ذات خلق ودين وما عدا ذلك.. ان توفر فهو خير الى خير.. وان عُدم.. فالقناعة فيه كنز.. وعاش احمد هذا الحلم الذي صوره لأهله.. وأبى ان يقبل بغيره وتمهلت العائلة.. في البحث.. املاً.. في استدراك هذا الحلم ومن أجل تحقيقه.
ومضت اسرته.. تقدم له.. الاوصاف المختلفة.. لفتيات عرفنها ولكنه.. كان يصر.. على اكتمال ما طلب.. ولا سبيل لقبول خيارات.. وعندما اراد الحلم ان يزور احمد ويقيم عنده.. دخلت والدته لتنقل له خبر اسعاده وايجاد مطلبه.. فقد وجدت الفتاة التي تحمل حلمه وأمله.. وتساءل احمد.. ماذا يا والدتي.. هل حقاً.. كل ما أردت.. هل زرت اهل الفتاة.. كيف عرفتيها.. ماذا قالوا عنها.. هل صدقوا في كل شيء.. هل تأكدت مما أريد.. وعرفت وجود ما تمنيت ؟
وبهدوء.. تمت الخطوبة.. وتعرف احمد على فتاته.. وقفزت مشاعره تعانق حلما واقعا.. وتلامسه.. وتراه الان حقيقة..
نظرت اليه الفتاة.. وجدت تبادلا لتلك المشاعر.. ودلفت الى روحها سكينة وانسجام.. وتآلف ووئام.. وارتياح عام..
وأحمد ما حال احمد حلمه لم يعد حلما.. بل واقعا يلازمه.. يلتصق به.. فلا يفارق روحه ونظره الى ان اقترب الزفاف.
سهر احمد ليلته.. لكنه هذه الليلة لن يحلم فهو بجانب زوجته.. التي كانت حلمه.. اقترب منها.. طال نظره.. واستجابت روحه لهذا الكيان الذي تمنى فيه ما تمنى.. فمن المؤكد ان قلبه لا يكذب.
عاش الزوجان.. كأروع صور المودة والرحمة.. وتبادلا أنقى اشكال الصفاء.. والعطاء.. وتقاسما صنوف المعزة والوفاء ولأن روحيهما.. اتفقتا.. ومشاعرهما تجلت في اغلى تقدير لم يكن منغص او مخرب او امر مرير يتجرأ ان يقتحم هذه السعادة تناوب الاثنان في تقديم ما فيه بهجة وراحة الآخر.. تفانت الزوجة في خلق الراحة لزوجها.. روحاً ونفساً.. وفكراً.. وعاطفة تنساب.. ومكث الزوج يبعث لزوجته.. فرحاً.. وابتساماً وعشقاً لا يُمل.. وتداخلت خيوط الود.. فغدا يومهم كأسهم.. وغداً ينتظره شوق جديد.. وأمنيات يحشدها التفاؤل وحنين ينضح ولا يكاد.. يعتذر عن احتوائهم..
ومرت السنة الأولى.. واكمل الله تعالى لهما هذه السعادة.. بقدوم مولودهما الأول.. الذي اضاف الى حياتهما.. لهفة وسروراً.. تعانقاً وابتهاجاً.. وجد الطفل.. كل هذه الأجواء.. تسري اليه وتتغلغل الى كيانه ولقي حضنه الممتلئ.. حناناً.. ونبضاً.. وتوقاً يستمر ولا يبيد.. وبعد فترة رزقا بالمولود الثاني الذي تسبب مجيئه بتضاعف حيثيات هذه الصورة الرائعة.. المتوجسة.. والتي لاتزال.. تنثر واقعها الحاني في كل اجزائهم وتأملاتهم.. وتوقعاتهم.. وتعايشهم.. وبهذين الطفلين.. وجد احمد.. غايته.. وهاجسه الحالم.. وحسه المتدفق ولعاً وارتباطاً.. والزوجة تعيش هذه اللحظات.. حاملة هذا الكيان المتوهج.. سارحة به الى خواطر هؤلاء وسارية الى قلوبهم.. وفي مساء أحد الأيام قررت العائلة.. ان تستنشق.. عبير هذه الأجواء خارج المنزل.. فاتفق الجميع.. على الخروج الى احد المتنزهات.. وفعلاً تم ترتيب ما يلزم وتهيأ كل الأطراف وركبت العائلة السيارة الخاصة بهم، وفي الطريق .. وحين اضطر الزوج الى تغيير مساره واستخدام السرعة لتجاوز الخطر.. الكامن أمامهم.. وقع ما قدره الله تعالى.. ليجد الزوج نفسه.. أمام هذه الفاجعة.. توفيت الزوجة مع طفلتها.. وبقي الطفل ينتظر المصير - كان الحادث مأساوياً.. واشتد ذلك في صورة الزوجة المتوفاة.. والطفلة التي اصطحبتها.. اما الزوج.. فقد كانت غيبوبته تخفي عنه هذه المعالم.. وفي هذه الأثناء حُمل الأب.. مع طفله.. في وضع اسعافي سريع.. وأجري لهما ما يحتاجانه.. وظلا تحت هذه الرعاية.. مدة من الوقت.. اصبح الزوج فيها.. يعاني ضغوطاً نفسية لا ترحم.. ووجد نفسه يجتاحها.. لوماً.. واكتئاباً.. وتحسراً.. غائراً لا يستأذن لحظاته.. ولا يطمئنها.. ونظراً للتحسن الظاهري.. خرج الأب.. بخروج طفله.. الذي كانت اصابته في رأسه.. واحتاج ذلك اجراء عملية.. انتهت بنجاح.. مما طمأن الجميع على خروجه مع والده..
وعاد الاب مع ابنه الى بيت والده.. وتولت الوالدة تربية هذا الصغير واحتضانه وبقي الطفل محل رعاية الكل.. بجانب وقوف الاسرة مع الزوج لمواجهة محنته ومصابه.. فلن تكون هذه الواقعة دارجة في السهولة او النسيان.. الزوج وما حال الزوج الان.. توّج هذا الفقد.. وارساه في عمقه ورسخ بذاكرة لا تغيب.. وتوغلت الملامح في مرئيات الأشياء.. فعاش ليس كالاسوياء.. وبين يديه.. طفل يفتقد الأمومة.. وهو مازال رضيعاً.. ومرت بعض السنوات. بقي حزين النفس.. مكتئب المزاج.. خالي الابتسامة عديم الاندماج.. واسرته لم ترتح.. لوضعه.. لحاله فأرادت نقله من هذا الضياع.. وإعانته على تجاوز المحنة والشرود ولم تجد حلاً لذلك.. غير الزواج ودخوله حياة جديدة جلست الوالدة.. تتبادل احاديث مع ابنها.. تحكي له عن صور الحياة الفشل والنجاح.. الخسارة والفلاح.. الاحزان والافراح.. تود لو أن مدخلاً يعينها على تحريك دواخل أحمد يصل بها الى اقناعه بالزواج الثاني.
وأمام هذه الدعوة رفض وصرّح بالعجز.. وأدلى باستحالة التجربة.. كانت زوجته الراحلة.. ترافقه مع طفلتها.. غائرة في وجدانه.. وكائنة في روحه.. وعقله.. وكل تحركاته.. وهو يأبى.. ان يرافق غيرها.
وبعد ضغط الاسرة.. ومحاولاتها المتكررة.. وجد نفسه طريح هذه الفكرة.. طاف به خياله، لمن سترعى ابنه اليتيم.. وبسرعة.. وافق احمد.. وفي هذه الفترة.. اخذت الاسرة تبحث.. عن الزوجة وتطمح ان تجد فيها.. كل ما طلبه احمد.. فتشت عن صفاتها التي تنطبق فيما تميزت به زوجته الراحلة.. وبعد وقت وجد احمد نفسه يمتثل لاصرار أهله ويخوض المحاولة.. ورضخ بعد ان تصور التشابه والاقتراب.. وافق احمد رغم ان مكنونه يرفض غامر احمد وكل شيء فيه يتردد.. تم الزواج.. وجد احمد تلك الزوجة بجانبه.. بكل زينتها ووصفها.. كانت تتسم.. بالاخلاقيات.. وفضائل الأولى وطوق ذلك جمالها الهادئ.. الذي يتغلف.. بوجه الراحلة.. دخل الأهل يتناوبون بالسلام.. وإلقاء التبريكات.. تذكرت الاسرة الزوجة الراحلة وضجت أمامهم صورتها المتمثلة بهذه الفتاة ولكنه احمد الذي لم يتذكر مثلهم.. أبى وجدانه.. ان يميل اليها.. ورفضت عاطفته.. ان تجتاز.. ذكراه.. وماضيه.. ورغم ان الفتاة تاقت تقاسيمه وودت شخصه.. إلا ان ذلك.. لم يتعداها.. وبعد وقت مر.. سئمت الزوجة.. هذا الحال.. وتساءلت ماذا يحدث.. ان طفله.. في رعايتي.. ويبادلني حباً - والتصاقاً.. ولكن زوجي لا يكاد يشعر بي.. او يرمي لي اهتماماً او عاطفة ولأن أحمد.. لم ينتقل من مخيلته.. عجز عن اللقاء.. وتعذرت لديه المصارحة.. فأخذها.. مره.. الى بيت أهلها لم تكن زيارة.. ولكنها - رجعة.. لم يكن فيها ذنب.. على أحد.. عادت عذراء في انوثتها.. متهالكة في كيانها.. فمن يصدق.. هذه العذرية.. ويُعيد هذا الكيان.. غير أحمد.. الذي لن يعود.

الرياض

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved