تنعُم قرية الثلج بالهدوء السائد في ارجائها، الجبال المحيطة بها يكسوها الثلج معظم أشهر السنة، الأرض والتلال يغمرها البياض بحكم الطقس البارد، وعلى الرغم من كل هذا إلا ان الشمس تشرق احياناً بضعة أسابيع في فترة الصيف ولكن اشراقتها تغترب قليلاً خلف الغيوم.
الحياة بسيطة جداً بالنسبة لسكان القرية الصغيرة، وهذه البساطة التي يعيشونها مظهر يلائم طبيعة قريتهم.. يعيشون على دخلهم المحدود الذي يكفيهم للطعام والتعليم والملبس.. لأن قناعتهم بأن الحياة لا تحتاج أكثر من ذلك..! والبساطة فرضت سيطرتها على اطباعهم فتعلموا منها الطيبة والتسامح، المودة والتعاون وغير ذلك من المعاني الجميلة.
وإذا بحثت عن البراءة تجدها في عيون «سارا» تلك الطفلة الحنونة التي دائماً يتبادر الى عقلها الصغير اسئلة بمثل عمرها الذي يبلغ ستة أعوام: لماذا في قريتنا الشتاء طويل والصيف قصير؟! وكأنها تقصد: اين الشمس؟ لم تطق افكارها ما نسجه الخيال في عقلها الصغير الذي لا يستوعب الاشياء الكبيرة!! فتخيل احيانا الصيف والشمس وترسمهما في أوراق ذاكرتها المبهمة..!
حتى جاء اليوم الذي فاجئها والدها بزيارة للمرة الاولى للمدينة الكبيرة البعيدة آلاف الأميال عن قريتهم، وبالطبع يخيّم فصل الصيف غالبا هناك: عكس قرية الثلج..
وبدأت الرحلة عن طريق عربات الخيل في البداية وبعدها استقلوا القطار حتى وصلوا للمدينة الحالمة.
وحين لامست أقدام «سارا» الارض الصلبة المغطاة باللون الاسود: وجدت من اللحظات الاولى المتغيرات المتفرقة.. رفعت رأسها للسماء لتبتسم لها الشمس، وكأن المباني الشاهقة ايضا ترحب بها، تتلفت هنا وهناك!.. السيارات تمر بأصواتها المدوية ويتشكّل منظر آخر فجأة وهو «صوت الاسعاف» يمر سريعاً!، الارصفة مزدحمة بالناس وفي المقابل على الرصيف البعيد «شخص يقتاده رجال الأمن الى سيارة الشرطة» ويداه مقديتان بالحديد..!!
وما زالت «سارا» تشاهد المزيد من العجائب التي لم تعتد عليها وهي منبهرة وممسكة بيدي والدها..
وبعد جولة قصيرة في ارجاء المدينة توجَّه الجميع لأقرب «مطعم» وبنفس الغرابة: أنواع وأشكال جديدة أمام انظار الطفلة وقائمة طويلة من المأكولات والمشروبات تثير الاعجاب احياناً!.. وعند الانتهاء اتجهوا الى «الفندق».. رحبت احدى الموظفات ب «سارا» قائلة: أهلاً صغيرتي.. بعد ذلك اصطحبهم حامل الحقائب اغلى الغرفة المخصصة لاقامتهم وعند وضعه للحقائب: وقف قريبا من «الباب» قبل ان يخرج وفي وجهه ابتسامة عريضة وكأنه ينتظر شيئاً ما..!! فهم والد «سارا» الامر واعطاه بعض المال..! لتسأل الطفلة والدتها: المساعدة هنا بأجر؟!! هزّت والدتها رأسها إلى الأسفل.
بعد ثالث يوم في المدينة جلست «سارا» تحاول اقناع والدها بالاكتفاء بهذه الزيارة والعودة سريعا لارض الوطن ولسان حالها يقول: برودة الاجواء وبياض الثلج في القرية اصفى وأنقى من ابتسامة الشمس في المدينة الغامضة!!
الرياض
|