قد يحدث أن يذهب أحد المرضى لعيادة الأمراض الصدرية وهو يشكو من سعال جاف، أو ضيق في التنفس، فيخبره الطبيب بعد المعاينة والفحص أنه مريض بالساركويدوز، وبسبب غرابة اسم المرض يصاب المريض بالقلق والتوتر والحيرة، خاصة عندما يعرف أن العلاج قد يستغرق بعض الوقت.
لكن ما هو الساركويدوز؟ وما هي مضاعفاته وأسبابه؟ ووسائل علاجه؟.. هذا ما نتعرف عليه من د. محمد موسى عريقات استشاري الأمراض الصدرية بمستشفى الحمادي بالرياض من خلال هذا اللقاء:
* بداية نسأل عن مرض الساركويدوز الذي نسمع عنه في عيادة الأمراض الصدرية؟
- الساركويدوز مرض غير معروف الأسباب حتى الآن، وغالباً ما يصيب الأشخاص في سن ما بين العشرين والأربعين، وتزداد الإصابة قليلاً لدى النساء عن الرجال، كما تزداد الإصابة بنسبة عشرة أضعاف لدى الأشخاص في العرق الأسود، وتزداد خطورة المرض إذا حدثت الإصابة به بعد سن الأربعين.ويصيب المرض أساساً الجهاز التنفسي «الرئتان - القصبات الهوائية»، بالإضافة إلى الغدد الليمفاوية الصدرية، وتتدرج الإصابة من التهاب بسيط في الغرف الهوائية إلى التليف الرئوي، كما يمكن للمرض أن يصيب أعضاء الجسم الأخرى، ويبقى المرض في حوالي 40% من الحالات بدون أعراض ظاهرة، ويمكن اكتشافه صدفة عند عمل أشعة للصدر لأي سبب كان، كما يمكن اكتشافه في حالة ظهور أعراض تنفسية، أو غير تنفسية، أو أعراض عامة مثل ارتفاع في درجة حرارة الجسم، أو تعرق ليلي، أو نقص في الوزن.
* وما هي أهم أعراض الإصابة بهذا المرض؟
- أولاً هناك الأعراض التنفسية، ويمكن ملاحظتها سريرياً في سعال جاف في الكثير من الأحيان، وضيق في التنفس في بعض الأحيان وهو علامة سيئة، لأنه يشير إلى وجود تليف رئوي أو التهاب انسدادي قصبي، ونادراً ما يكون البصاق مدمماً، ويمكن أيضاً ظهور أعراض قصور في القلب الأيمن في مرحلة متطورة من المرض.
وهناك الأعراض الشعاعية، حيث ان الفحص الشعاعي للصدر له دور أساسي في كشف المرض حتى لو لم يكن هناك أعراض سريرية، وتمكن أهمية الفحص الشعاعي بالإضافة كشف المرض بتقدير مستقبله ومتابعته، ويوجد تصنيفات متعددة للمرض حسب ما يظهر من علامات في صورة الأشعة، وأحد هذه التصنيفات ترتب المرض في أربع درجات، درجة رقم واحد وتظهر الغدد الليمفاوية في المنصف ودائماً ما تكون بنفس الشكل على الجانبين وغير ضاغطة، ودرجة رقم اثنين ويظهر فيها بالإضافة إلى الغدد الليمفاوية على جانبي المنصف آثار إصابة في الرئتين، أما في الدرجة رقم ثلاثة فتختفي مظاهر إصابة الغدد الليمفاوية وتبقى آثار إصابة الرئتين، وفي درجة رقم أربعة نجد أن إصابة الرئتين تتطور لتظهر صورة التليف الرئوي، وتساعد الأشعة المقطعية للصدر في التشخيص حيث توضح إصابة الغدد الليمفاوية الصغيرة وإصابات الرئتين شديدة الدقة، كذلك تسرع في كشف بداية التليف الرئوي أو التمدد في القصبات الهوائية وأيضاً ضغط الغدد الليمفاوية على القصبات الهوائية والأوعية الدموية.وعند قياس وظائف الرئتين يمكن أن تكون طبيعية في بداية المرض، ويمكن أن يظهر انحباس رئوي وظيفي ونقص في قدرة تحويل غاز أول أكسيد الكربون كذلك، وفحص غازات الدم يكون طبيعياً في حالة الراحة، كما يمكن أن يظهر نقص في كمية الأكسجين في الدم في حالة بذل الجهد، ويفيد فحص وظائف الرئتين مع فحص غازات الدم لمتابعة تطور حالة المريض.وهناك أيضاً الفحص بالمنظار القصبي وغسيل السائل الرئوي القصبي، ويظهر الفحص بالمنظار القصبي علامات الإصابة المباشرة في القصبات الهوائية، وتؤخذ عينات من القصبات وتفحص مخبرياً، وتكون إيجابية في أكثر من 60% من الحالات، بشرط أخذ عدة عينات من مناطق مختلفة حتى في حالة عدم وجود أعراض إصابة ظاهرة للعيان، كذلك فإن فحص غسيل السائل الرئوي يظهر ارتفاعاً في عدد الخلايا الرئوية مع ارتفاع ملحوظ في نسبة الخلايا اللمفوسايتية، وذلك في حوالي 80% من الحالات، مع امكانية دراسة مفصلة لأنواع الخلايا اللمفوسايتية نفسها.
* هل يعني هذا أن أعراض المرض تتضح من خلال إصابات في الجهاز التنفسي فقط؟
- لا، وهناك بعض الإصابات تحدث خارج الجهاز التنفسي، ويمكن أن تظهر أعراض هذه الإصابات خلال تطور المرض في الجهاز التنفسي، كما يمكن أن تكون أعراضاً كاشفة للمرض، وإصابات الأعضاء خارج الجهاز التنفسي تمثل حوالي 10% من حالات الساركويدوز.. وترتب الأعضاء حسب نسبة إصابتها، كالآتي: الغدد الليمفاوية، والعين، والجلد، والقلب، والأعصاب والعضلات، ثم الكلية، والكبد، وغدة الباروتيد.
* ماذا عن فحوصات الدم؟ وهل تفيد في تشخيص المرض؟
- صورة الدم الكاملة عادة ما تكون طبيعية، وفي الحالات المتقدمة من المرض تظهر أعراض التهاب في الدم مع احتمال ظهور فقر في الدم، كذلك فإن وظائف الكبد يمكن أن تكون غير طبيعية في بعض الحالات، ويظهر غالباً ارتفاع في كمية الكالسيوم في الدم وفي البول، كما يظهر ارتفاع في نسبة أنزيم تحويل الانجيوكنسين في 60% من الحالات، ويفضل في مثل هذه الحالات إجراء الفحوصات المخبرية للأنسجة، حيث تدرس العينات المأخوذة من القصبات الهوائية عن طريق المنظار، وعينات الغدد الليمفاوية الطرفية إن وجدت، كذلك يمكن الحصول على عينات من الغدد الليمفاوية في المنصف عن طريق منظار المنصف، وفي حالة عدم التوصل إلى تشخيص مؤكد فيجب أخذ عينة من الرئة نفسها.
* وما هي مراحل تطور المرض وإجراءات متابعتها؟
- كل حالات مرض الساركويدوز تحتاج إلي مراقبة مستمرة حتى الشفاء، وهدف هذه المراقبة هو كشف بوادر أعراض مضاعفات المرض، وهذه المتابعة تحتاج إلى فحص سريري، صور أشعة للصدر، وقياس نسبة أنزيم تحويل الأنجيوتنسين كل ثلاثة أشهر، وفحص قياس وظائف الرئتين مع نسبة تحويل غاز أول أكسيد الكربون، وفحص العيون وتخطيط القلب، وفحوصات الدم مثل صورة الدم الكاملة، ووظائف الكبد، والكلى، ونسبة الكالسيوم في الدم وفي البول مرة كل ستة أشهر، ويمكن للمرض أن يتطور إيجابياً خاصة في الحالات المصنفة رقم «1» ورقم «2» حسب التصنيف الشعاعي، أي يمكن الشفاء التام في غضون عامين بدون علاج، ويمكن أن يأخذ تطور المرض شكل مضاعفات تنفسية سريعة الحدوث.
وتظهر خلال العامين الأولين على شكل قصور شبه حاد في التنفس، وارتفاع في ضغط الشريان الرئوي قابل للشفاء، وحدوث تضيق في القصبات الهوائية أو الأوعية الدموية بضغط خارجي من الغدد الليمفاوية، وهناك المضاعفات التنفسية المتأخرة على شكل قصور مزمن في التنفس بسبب التليف الرئوي، والتهاب قصبي انسدادي مزمن، بالإضافة إلى ارتفاع ضغط الشريان الرئوي بشكل دائم، وفي بعض الأحيان ظهور مرض الاسبيرجيلوما وهو مرض فطري يتركز في التجويفات الرئوية ويؤدي إلى نزف دموي.
وبالنسبة للمضاعفات غير التنفسية، والتي يمكن أن تصيب أغلب أعضاء الجسم بدرجات متفاوتة تصل إلى الوفاة، وتصل نسبة الوفاة في حدود 5% من المصابين بالمرض بسبب مضاعفاته، وأهم هذه المضاعفات المسببة للوفاة القصور التنفسي، والنزف الرئوي الحاد، كذلك يمكن للمضاعفات القلبية أو مضاعفات الجهاز العصبي أو حتى نزيف الجهاز الهضمي أن تكون سبباً في الوفاة.
* وماذا عن العلاج واحتمالات الشفاء؟
- في حوالي ثلثي الحالات لا يحتاج المريض إلى علاج، ويتطور المرض إلى الشفاء في أقل من عامين، ويبقى المريض تحت المراقبة للكشف عن أي مضاعفات، أما في بقية الحالات فيكون العلاج بتناول دواء الكورتيزون حيث انه العلاج الأساسي لهذا المرض.ويعطى الكورتيزون بتركيز عال رغم الآثار الجانبية المحتملة حيث يعطى 5 ،0 - 1 ملغم لكل كيلو غرام من وزن المريض حسب حالة المريض، وذلك يومياً لمدة ثلاثة أشهر، وغالباً ما يظهر تحسن واضح خلال هذه الفترة، ويبدأ تقليل كمية الدواء تدريجياً وببطء ويستمر ذلك لمدة لا تقل عن خمسة عشر شهراً، وتكون النتائج جيدة في العادة، ويمكن للمرض أن يتطلب علاجاً لفترة أطول، كذلك يمكن أن تحصل انتكاسة للمرض أثناء تقليل كمية الدواء، ويجب مراقبة المريض لمدة سنة بعد التوقف عن العلاج.ويجب على المريض أثناء العلاج أن يتبع حمية يقل فيها تناول الكالسيوم و التعرض للشمس، وفي جميع الحالات نقول إن مرض ساركويدوز من الأمراض الحميدة، التي يمكن الشفاء منها بدون علاج في شكلها الأساسي، وعندما يتطلب المرض العلاج فلابد من استعمال دواء الكورتيزون حيث ان نسبة الشفاء عالية بإذن الله، رغم طول مدة العلاج «سنتين تقريباً» وما يتطلب ذلك من صبر ومتابعة.
|