أجاد الأستاذ حمد القاضي وهو يعرف لقضية إبراز العطاء الثقافي والمنجز الفكري للإنسان السعودي وإظهار جوانب الإبداع لديه وما يتصل بذلك من إقامة «المناشط الثقافية خارج بلادنا» التي جاءت امتداداً مشرفاً يجلي خصوصيتنا الفكرية وتميزنا الثقافي.. وليس ثمة مبالغة حينما نؤكد ذلك الإعجاب والتقدير الذي يحظى به منجزنا المعرفي وهو يقدم نفسه في الخارج عبر الملتقيات الثقافية والمناشط الفكرية.
لقد استطاع ابن هذه الأرض الطيبة أن يرسم صورة مضيئةً في المشهد الثقافي العربي، فالمحاضرات الأدبية والأمسيات الشعرية والندوات الثقافية وغيرها من دوائر الفكر تؤكد أصالة هذا المنجز المعرفي وصفاء روافده وتباين اتجاهاته وسلامة مناهجه وثراء قضاياه.
نعم الميدان الفكري لدينا أفق صاف ذو إطار ثقافي مقنن وموظّف توظيفاً ملائماً لمعطيات المرحلة فليس ثمة خنوع.. او خضوع.. بل هو مخزون مقنع.. له جذوره وتميّزه وصلابته.. وبرغم هيمنة الموقف الإعلامي الفضائي وتدفّق مظاهره عبر قنوات متعددة في الميدان الفكري العربي إلا أن مشهدنا الثقافي ظل قادراً على إثبات حضور فاعل وممارسة خطاب مؤثر يلامس هموم الأمة ويقدّم قضاياها ويتصدى لهواجس المجتمع ويبرز الوجه الثقافي الأصيل للإنسان السعودي الذي بات على إدراك بأهمية المعرفة ودور الفكر.
اجل لقد أحس المثقف السعودي بخطورة المرحلة واستطاع استيعاب معادلة الثقافة قراءةً وانتقاءً وخصوصيةً.. ومضى محاولاً إثبات هويته الفكرية والمحافظة على انتمائه الثقافي النابع من عقيدة سمحة تغذي جميع خطوط المعرفة.. وتنظم روافد الفكر.
إن المتأمل لفضاء المعرفة بركامها المتنوع يدرك ملامح الغزو الفكري ويحس بما يعيشه المشهد الثقافي العربي من ضيم وضيق ومزاحمة عبر طوق فضائي حاد وضعته ثقافة اجنبية وافدة وقدمته موائد الفضائيات الحاشدة.. كما اسهمت في تكريس ثقافة فنية بحتة تكاد تلوي أعناق الشباب.. إضافة إلى وجود اتجاهات فكرية ضالة في الواقع الفكري العربي.
غير أن المثقف السعودي تعامل بحكمة مع هاتيك الأزمة.. واستطاع أن يخلّص فكره من قيود الانتكاس الثقافي الفضائي.. قرأ ملامح المرحلة الراهنة.. ووقف بشموخ فوق أرضية معرفية صلبة.. وحافظ على مقوماته الفكرية ومنابعه الثقافية الأصيلة..
من حقنا أن نحتفي بمنجزنا الثقافي المتميز.. العامر بمواقف الأمة.. هو منجر ثقافي ذو ملمح معرفي ثري.. مليء بروعة الحس الديني لابن هذا الوطن ومسكون بصدق الانتماء الوطني ومحفوف بجوانب الشعور الإنساني.. فليس غريباً أن نزهو به ونقدمه للآخرين احتفاءً واحتذاءً.. عذراً إن مارست عزفاً منفرداً على وتر الثقافة السعودية المتفردة عمقاً وانتماءً وعطاءً.. بشتى منابرها المعرفية.. في ملحمة هطول جميل.. ولا غرو فمنجزنا الثقافي ظل ممسكاً بخيوط اصالته رافعاً هوية انتمائه فهو «لم يغرد يوماً خارج السرب».
نعم.. إن مظاهر التغريب الثقافي بثورتها المعرفية الصاخبة ذابت تحت اقدام منجزنا الثقافي المشرف.. الذي لا يتخلى عن منابعه.. ويظل مخلصاً لجذوره الدينية وفياً مع تقاليده الاجتماعية.. مستوعباً مفردات انتمائه.. مختزلاً مسافات العطاء.. في زمن تنوعت فيه مخالب الثقافة الوافدة.. التي جرفت كثيراً من الآداب وحرفتها.. إن التجربة الثقافية في وطننا المعطاء تجربة ثرية وراسخة لم يخالطها انتهاك ولم يصبها ارتباك.. امام شلالات الثقافة الفضائية التي اجتاحت ديار المعرفة في الأفق العربي.. وظل منجزنا الثقافي متوهجاً وقادراً على احتواء ثقافة الانفتاح.. عبر انتقاء ملائم وغربلة متأنية.. وكم نسعد بملامحنا الثقافية في شتى صورها وبكافة أشكالها امسية شعرية ام ندوة فكرية ام ملتقى أدبي يعكس جوانب حضورنا الثقافي.. في مسيرة امتداد.. واعتداد..
-إضاءات:
- المناشط الثقافية في الخارج: دائرة ضوء تقدم مكتسباتنا الفكرية في مشهد ثقافي يؤكد حضورنا الثقافي الفاعل: مشاركة وإسهاماً وتفاعلاً.
- منجزنا الثقافي: استطاع امتصاص حدة الزحف المعرفي الفضائي بثورته المعلوماتية المتدفقة ليؤكد أن لنا خصوصية ثقافية ومرجعية معرفية.
- رسالة محبة لوزارة الإعلام: محمّلة بتساؤلات جادة حول إتاحة الفرصة لتدشين «قناة ثقافية» تكون صوتاً عذباً لمناشطنا الثقافية وملتقياتنا الفكرية وثقافتنا السعودية تستحق هذا التكريم.
- برقية شكر وامتنان لكل مؤسسة حكومية تتبنى منشطاً ثقافياً أو ندوة او ملتقى شعريا او تسهم في تنظيم معرض للكتاب.
- الملاحق الأدبية والصفحات الثقافية في صحفنا الكريمة أصبحت مداراً رحباً لحضور ثقافي خصب يجلي ما وصلت إليه الصحافة السعودية عطاءً وسمواً وانتماءً.
محمد بن عبدالعزيز الموسى - بريدة
|