في صباح يوم الجمعة الموافق السابع عشر من شهر جمادى الآخرة من عام اربعة وعشرين واربعمائة بعد الألف من الهجرة النبوية، توفي الرجل الصالح وحبيب الناس داعي السماء الوالد «أبو صالح: عبدالله بن صالح القويفل» رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وجميع المسلمين.
سأبكيك ما فاضت دموعي فان تغض
فحسبك مني ما تكن الجوارح
|
حيث صُلي عليه عصر الجمعة في الجامع الذي طالما رفع الاذان على مأذنته، وحبره تحبيرا، وصلى في باحته «جامع الضاحي» في حي الشورقية من اكبر احياء محافظة المذنب جنوب القصيم، كان هذا الحي اشبه بالقرية الصغيرة عاش فيه علماء اجلاء منهم الشيخ القاضي محمد بن صالح المقبل والشيخ محمد بن عيسى رحمهم الله واسكنهم فسيح جناته ورجال صالحون رحلوا عن الدنيا وبقي طلابهم واحاديث الصالحين وذكراهم التي رسمت على بيوتاتها الطينية مكارم الاخلاق ومحاسن الاسلام في أجيالهم.
تفوح اطياب نجد من ثيابهم
عند القدوم لقرب العهد بالدار
|
فما زالوا يجتمعون في كل سنة من عيد الفطر المبارك في هذا الحي - المبارك. عاش ابو صالح قرابة التسعين عاما حياة الصالحين لم تشغله فلاحة الارض في زمنه ولم يحمل الدنيا على عاتقه.
تعب كلها الحياة فما اعجب الا من راغب في ازدياد
عاش حياة كريمة عزيزة، عاش مع المسجد، مع الذكر والقرآن، احب بيت الله، فأحبه الله، فأحبه الناس.
هذه الدنيا لذي الفطنة دار للعبور
فاز من يعمرها بالحق والتقوى والعزم الكبير
نعم منذ ان شُيِّد «جامع الضاحي» بجريد النخل ورفع جداره بلبنات الطين اذن به متطوعا مع من معه آنذاك فثبت واستمر يؤذن قرابة الاربعين سنة، لم يكن منتظرا مكافأة لأذانه مع حرصه الشديد ألاّ يغيب عن وقت من الأوقات الا من عذر وكان هناك من يخلفه، حتى ان بلغه نظام الائمة والمؤذنين فلزمه ذلك فيما بعد. كان يروح ويغدو ولا يحمل في قلبه على احد من الناس غلاًّ ولا حسدا. ما رأيته الا مبتسما تعلوه البشاشة في حكاياته واحاديثه.
تراه اذا ما جئته متهللاً
كأنك تعطيه الذي انت سائله
|
لم يعهده اصحابه ولا من عاشرهم انه عمل في الفلاحة كعادتهم الا ما كان في آخر حياته كان يرعى نخلة لأحد ارحامه عليها سور طيني - كالسبيل - «الصدقة الجارية» فكان يسقيها ويحافظ عليها اخذاً بالحديث في الحث على غرسها ورعايتها، اذكر اني كنت واقفا معه عندها فكانت النخلة باسقة لها طلع نضيد تظلل جنباتها شجرة الأترجة فقال مذكرا ومداعبا: «شف يا ولدي لهذي النخلة وشجرة الأترجة معها سبحان الله العظيم! شبه الله المؤمن بالنخلة وشبهه بالاترجة، الله اكبر شف وشلون حياة الشجرتين وزينتهن» كان دائما ما يزور والدي - متعه الله بالصحة والعافية - في المنزل حيث الأخوة والصداقة مستبشرا بقدومه استمتع بأحاديثهم وذكرياتهم الجميلة واذا ابطئت رؤيته زرته في متجر له صغير آخر حياته في السوق التجاري الطيني يقضي به عشية النهار وكثيرا ما التقي به في المسجد، يقضي وقته بالصلاة والدعاء فيحضر مبكرا يترقب دخول وقت الاذان، سبّاق للخير، مسارع لان يرفع دعوة الله، كان أذانه من الجيل الاول؛ يحبره تحبيرا حتى لقب بذلك «حُبير» نفحات من الايمان والتقى، سبحات من التهليل والتكبير، ينتظر اهل الحي في رمضان وعند الافطار ذلك الصوت الندي يهادي القلوب للايمان، وفي السنة الأخيرة من حياته ألم به المرض فألزمه الفراش حتى ألفيته ممددا عليه يسبح ويستغفر ويدعو الله لا يتشكى ولا يشتكي يحمد الله سبحانه ويشكره وهو مبتسم.
شكرٌ وذكرٌ وصبرٌ
فيها نعيم وأجر
|
- لا إله إلا الله - ففاضت روحه للحي القيوم وهو على هذه الحال.
وكانت في حياتك لي عظات
وأنت اليوم أوعظ منك حيا
|
كل قلب له نصيب من الحزن فطوبى للصابر الميمون.
فما أجمل حياة المؤذنين، رحمك الله أبا صالح وأسكنك فسيح جناته وجميع المسلمين.
|