Thursday 23rd october,2003 11347العدد الخميس 27 ,شعبان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

دارة الملك عبدالعزيز ومسيرة ثلاثين عاماً دارة الملك عبدالعزيز ومسيرة ثلاثين عاماً
عبدالله بن حمد الحقيل

تحتفل دارة الملك عبدالعزيز قريباً بمرور ثلاثين عاماً على انشائها، حيث انشئت في الربع الأخير من القرن الثالث عشر الهجري. وكان لإنشائها قصة. فلقد داعبت عقول المثقفين من أبناء هذا الوطن فكرة وجود مركز بحث متخصص للتاريخ وخدمة التراث يضاهي المراكز المتخصصة المقامة في بعض الدول العربية والاسلامية. وتلاقت الفكرة بالآمال الكبيرة والطموح المتطلع لابرازها الى حيز الوجود وتناقلتها الألسنة في المجالس والمحافل والندوات حتى ترامت الى أسماع الملك فيصل رحمه الله فوجه باعداد مشروع لإنشاء هيئة علمية لهذا الغرض فكان ثمار ذلك الطموح هو انشاء «دارة الملك عبدالعزيز»
وصدر المرسوم الملكي الكريم رقم م/45 في 5/8/1392هـ بالموافقة على نظام انشائها الذي حدد مهمتها والأهداف التي أنشئت من أجلها والنشاطات التي تزاولها فكان ذلك حدثاً بارزاً في ذلك الوقت ولقد تم اختيار كلمة «دارة» بدلاً من دار لتطلق عليها حيث أنها كلمة صحيحة الاستعمال ومن معانيها اللغوية،
إنها كل أرض واسعة بين جبلين وما أحاط بالشيء كالدائرة وهي تجمع على «دارات» ودارات العرب معروفة قديما فقد تغنوا بها شعراً وافاضوا في وصفها بأجمل الأوصاف لكونها أرضا سهلة تنبت الطيب من الثمار والأزهار والنافع من الأشجار،
فهذاالشاعر الجاهلي امرؤ القيس يقول في معلقته المشهورة التي استهلها بقوله:


قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
بسقط اللوى بين الدخول فحومل

مستطرداً في أفكاره وذكرياته التي تشده الى غدير ماء بارد في دارة جلجل فيقول:


ألا رب يوم لك منهن صالح
ولاسيّما يوم بدارة جلجل
ويوم عذرت للعذارى مطيتي
فيا عجباً من كورها المتحمل

وان دعم القيادة مكَّن الدارة من تحقيق أهدافها في خدمة التاريخ السعودي والعربي والاسلامي ولقد حدد نظام الدارة الأنشطة التي تمارسها والأعمال التي تقوم بها لتحقيق أهدافها ثم استجدت بعد ذلك أعمال ومهام اسندت الى الدارة خلال مسيرتها مواكبة للنهضة الحضارية الشاملة التي عمت بلادنا في هذا العهد الميمون الزاهر وفي البداية أنشئ قسم للبحوث والنشر مهمته انجاز البحوث والدراسات التي تزمع الدارة انجازها أو تحال اليها بغرض دراستها وتقويمها حيث استطاعت الدارة ان تنجز أعمالاً علمية حيث أصدرت مجموعة كبيرة من الكتب العلمية والتاريخية وقامت بتحقيقها وطباعتها، منها على سبيل المثال لا الحصر:
* تاريخ الدولة السعودية.
* مكة في عصر ما قبل الاسلام.
* الأطلس التاريخي للدولة السعودية.
* مثير الوجد في أنساب ملوك نجد.
* نفح العود في سيرة الشريف حمود.
* عنوان المجد في تاريخ نجد.
* هذا هو سيرة الشيخ محمد بن عبدالوهاب.
* انتشار دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب.
* أضواء حول الاستراتيجية العسكرية للملك عبدالعزيز.
* الاصلاح الاجتماعي في عهد الملك عبدالعزيز.
* محمد بن عثيمين شاعر الملك عبدالعزيز.
* حالة الأمن في عهد الملك عبدالعزيز.
* الملك فيصل والقضية الفلسطينية.
* المرافئ الطبيعية على الساحل السعودي والغربي.
* السكان وتنمية الموانئ السعودية.
* كيف كان ظهور الشيخ محمد بن عبدالوهاب.
* السمات الحضارية في شعر الأعشى.
* الملك عبدالعزيز في مرآة الشعر.
وغيرها من الكتب التاريخية كما ساهمت الدارة في طباعة عدد من الكتب التاريخية والأدبية. وقد بلغت اصداراتها اليوم أكثر من مائة وثلاثين كتاباً. هذا بالاضافة الى جهود الدارة في مساعدة الباحثين الذين يفدون اليها إما للاطلاع على المراجع أو الاستفادة مما بها من وثائق ومصادر أخرى تفيدهم في بحوثهم وأطروحاتهم العلمية التي يعدونها كي ينالوا بها درجة علمية «الماجستير أو الدكتوراه» ودعم البحوث والدراسات التاريخية.
كما أعدت الدارة مكتبة زودتها بالمراجع والدوريات التي تعين الباحثين وتوفر احتياجاتهم وارشادهم الى ما يفيدهم من مصادر تخدمهم في موضوع بحثهم ومساعدتهم بتصوير ما يحتاجونه من صفحات المراجع مما هو غير متوفر في المكتبات وتضم اليوم مكتبتها حوالي ثلاثين ألف مجلد الى جانب أكثر من مائتي دورية كما تتوافر بها آلاف الوثائق ومن المعروف ان الوثائق تعتبر المادة الأساسية والعنصر الجوهري في عملية البحث ومنهجه العلمي.
ولعل من أهم المنجزات التي حققتها الدارة اصدار مجلة باسم «الدارة» وقد صدر العدد الأول منها في غرة شهر ربيع الأول عام 1395ه وذلك تنفيذا لما ورد في الفقرة من المادة الثالثة من نظام الدارة.
وهي مجلة فصلية محكمة تتسم بالأصالة والمنهجية العلمية وتعنى بتراث وفكر المملكة والعالم العربي والاسلامي. اتخذت المنهج العلمي أسلوبها وسبيلها وقد دخلت عامها الثلاثين وقد أثبتت عمق مادتها وتعتبر مرجعا لرواد العلم والبحث والتاريخ واستحوذت على اعجاب الباحثين ومحبي التراث الاسلامي لما لها من تميز في موضوعاتها حيث تخضع بحوثها للتحكيم فيما يختص بالموضوعات التي تتولى نشرها ولقد أسهمت بدور ايجابي في المؤتمرات والندوات العلمية والمناسبات الوطنيةوأخرجت أعداداً متميزة في تلك المؤتمرات وحفلت بموضوعات علمية تعد مراجع للباحثين ولقد أولت اهتماما خاصا بتاريخ الملك عبدالعزيز كما أفاضت في تاريخ المملكة وأبرزت جوانب عديدة من حقائق التاريخ وكوامنه ومقالات تدعو الى الاهتمام بالتراث وتسهم اسهاماً فعالاً في خدمة الفكر والأدب والتاريخ واللغة وغير ذلك من معارف وعلوم تبرزها في ثوب علمي ومنهج بحث أكاديمي يجد فيها الباحث بغيته والمثقف مراده،
وبعد: فهنيئاً للدارة وما حققته من ثقة ونجاح في مسيرتها فرفعت رأسها في أكثر من مكان وموقع هنا وفي الخارج وبين مراكز البحث العلمي لنردد قول الشاعر العربي:
اليوم أوفت على خمس وعشرينا
فاستقبلوا عيدها الفضي ميمونا
وستظل بإذن الله منبراً للعلم، والتاريخ والتراث وتحقيق الأهداف السامية والمثل العليا كما أن مشروع التاريخ الشفوي الذي تقوم على تنفيذه الدارة سوف يقدم نماذج كثيرة من السرد الشفاهي لذكريات تخص سيرة الملك عبدالعزيز مفعم بالمفردات التاريخية كما تقوم الدارة بتسجيل ذكريات أنجال الملك عبدالعزيز عن سيرة والدهم والتي ستكون اضافة مفيدة وكذا جمع واستكمال تسجيل ذكريات من عمل مع أو عاصر الملك عبدالعزيز في داخل المملكة وخارجها والذين كتبوا ذكرياتهم في مذكرات وغيرها. واختتم القول بأبيات قلتها بمناسبة مرور ثلاثين عاماً على تأسيسها:


دار بها قلبي يجيش ويخفق
وبذكرها يشدو اللسان وينطق
أيامها الغر الحسان شواهد
أرواحنا لك بالمحبة تورق
صانت لنا التاريخ في أرجائها
وبها تراث ماجد يتألق
العلم والتاريخ فيها حافل
وبها الوثائق والمصادر تصدق
أمضيت أعواماً بها مغروسة
في القلب ذكراها تضيء وتشرق
والدارة المثلى لسان ناطق
بثقافة ببلادنا تتدفق
حييت يا دار المعارف والعلا
فلكم نهضت بكل ذكر يسمق
تاريخنا عبدالعزيز ضياؤه
في الخافقين له سناء يشرق
عبدالعزيز العبقري إمامنا
نعلو به فخراً وذكراً يخفق
ملأ البلاد مفاخراً ومكارماً
في كل أمر في الحياة موفق
يا موكب التاريخ قف في دارة
المجد في جنباتها يتدفق
هي متحف جمع العلوم بدقة
والناظرون له جميعاً أحدقوا
حوت القديم بكل فخر وانثنت
نحو الجديد بمازها تتأنق
سفر لمن يهوى الثقافة باحثاً
ولها المؤرخ والمثقف يعشق
وبها المجلة قد زهت بمعارف
ترنو لها كل العيون وترمق
هي معقل التاريخ رمز مآثر
كالنجم في كبد السما يتألق
هي موئل الفصحى ودرع حماتها
روح تفيض على الأنام وتدفق
وتنير درب الباحثين الى الذرا
غرب البلاد زها بها والمشرق
حوت المعارف والبيان بحكمة
فاضت بها مزهوة تترقرق

والقصيدة طويلة وقد نظمتها بهذه المناسبة وقد أمضيت بالعمل بها سبعة عشر عاما واختتم القول بدعوة الاخوة والباحثين والمهتمين بالتاريخ والمخطوطات والتراث بدعم الدارة حتى تتمكن من تحقيق أهدافها وغاياتها الكريمة في الحفاظ على تاريخ هذه البلاد مهد الهداية وقلعة المعرفة والتاريخ ومهوى أفئدة العرب والمسلمين حتى تتمكن من المحافظة على تاريخ هذا الوطن الكريم وخدمته وإن مرور ثلاثين عاما على انشائها مناسبة جميلة لدعم مسيرتها المباركة في خدمة تاريخ المملكة وجغرافيتها وآدابها وآثارها الفكرية وجمع الوثائق والمخطوطات والتراث الاسلامي والعمل على نشره مع التركيز بصفة خاصة على تاريخ الملك عبدالعزيز رحمه الله وفاء بحقه وتقديراً لدوره البطولي الفذ ومنجزاته الأمنية وتوحيد البلاد، وتأسيس هذه المملكة الشامخة وتاريخه الحافل بالمآثر والمفاخر والأمجاد ولقد أنشأت الدارة قاعة تذكارية للملك عبدالعزيز وهي عبارة عن متحف يضم ما قامت الدارة بجمعه من مقتنيات الملك عبدالعزيز رحمه الله ومن أثريات وصور تذكارية وما قامت بتنفيذه على شكل لوحات وخرائط بتسجيله وغير ذلك مما له دلالة تاريخية ويعطي الباحث والدارس صورة واقعية بحيث يستوعب تاريخا طويلا لمراحل كفاح الملك عبدالعزيز وبطولاته وفتوحاته التاريخية وتسجيل الآثار والأماكن التي شهدت جانبا من مراحل كفاحه وبطولاته في لوحات حية معبرة تبرز جهوده في سبيل توحيد البلاد وتأسيس المملكة العربية السعودية فهي تعد مرجعاً تاريخياً حياً ومما يخدم الفكر والتاريخ.
وهكذا تظل الدارة مركز بحث ومنارة علم ومهوى الباحثين في دنيا العلم والمعرفة والتاريخ تمد الباحث والقارئ بروافد المعرفة وصنوف العلم وضروب الثقافة وفنون المعرفة بمصادر تاريخنا وتراثنا العربي والاسلامي المجيد ودعم حركة البحث العلمي.
وبعد: فلقد حقق الله الآمال بتعيين صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز رئيساً لمجلس ادارة الدارة وقد ابتهج الجميع بذلك لما عرف به الأمير سلمان من نشاط وأعمال كبيرة خالدة وأصبحت الدارة بفضل توجيهاته واهتمامه بها مركزاً تاريخياً مرموقاً للبحث والمعرفة والتأصيل العلمي المنهجي لتاريخ الملك عبدالعزيز وتاريخ المملكة وقضايا التاريخ وتدوينه وأصبحت الدارة معلماً تاريخياً مضيئاً ومركزاً حضارياً رائداً ومنبراً تاريخياً بارزاً.
ونسأل الله في هذه المناسبة الجليلة المزيد من التوفيق والعطاء والنجاح والازدهار في كافة المجالات. هذا وبالله التوفيق.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved