واستوى الحزن ألماً...
يا سيدتي وتلك أيقونات الفرح تتساقط منذ غادرتِ أرض النخيل إلى حيث عدتِ
وكلُّ شيء خلوٌ منكِ، إلا ذاكرتي تلك التي تستقرّ ليس فقط في رأسي بل في صدري...
ذاكرة الجوف تُنْبِضُ بكِ يانوَّارة الحياةَ من أوَّلها لأقصاها...
ذلك لأنَّكِ فرحةٌ لي عند الفقد.. حين كان يقترب شبحه منِّي، ولم أكن ذات نبوءة كي أدرك متى سيلج...
حتى عندما تركتِني وحدي في دروب الحياة...
كانت لكِ من صولة الحبّ، وجولة الحنين، صافرات القطار... حين يهمُّ كلُّ مسافرٍ في عروقي إليكِ...، وأنتِ... لا أدري، كيف نسيتِ حقيبةَ الأسئلة وغادرتِ دون أن... تَفْضي بالإجابات؟!
حاولتُ يا نوَّارة أن أقوى على الحزن...
حاولتُ أن أتمادى في الخيال...
حاولتُ أن ألتقطَ من تحت أكوام ورق الخريف تلك الفسائل الخضراء التي زرعتِها في دخيلتي ذات فرح...، لكنَّني لم أقو...، تماماً كما لم يَقْوَ ذلك الشاعر الذي طُلب إليه أن يلتقط حظَّه في يوم ريح من بين الأشواك... فقال:
«إنَّ حظي كدقيق فوق شوك نثروه
ثم قالوا لحفاة يوم ريح اجمعوه»
صَعُبَ عليه الأمر فقال:
«إنَّ من أشقاه ربي
كيف أنتم تسعدوه؟!»
يا نوَّارة تلك معضلة البوح حين لا يقوى على الكمون..
وقد أمسكتِني مفاتيح الثِّقة، والصدق، و... حرثْتِ أرض المدى أمامي حتى تنامت فسائلها وغدت أشجاراً...، أدركتُ أنَّ ليس كلُّ العابرين من يتذوقون ثمارها...!!
حزني بعدكِ يا نوَّارة تشكَّل وتمادى... وتعدَّدت ألوانه...
ذات فرحة: حسبت أنَّ دعاءكِ الذي انقطع عنِّي لايزال أثره معي، وأنَّ حزناً لن يُعمِّر فؤادي...، حتى أرعدت سماءُ البشر...، وأزبدت بحورهم، وتهاطلت سحائب، وامتدت موجات...، ومن بين عصف الريح وهيجة الموج ظهرت لوحاتٌ ملونةٌ...، وأوجهٌ مختلفة... وأدركتُ أنَّ لحظة صدقٍ قد أذنت طرقات أجراسها...، فثمَّة حقائق... أنَّ لا فرح يدوم!!!
لم يكن حزني لفقد إنسان...
فثمَّة حزن لفقد غيركِ لن يكون.. أجل، بعدكِ لن يكون...
فقد تعلَّمت من فقدكِ أنَّ كلَّ فقد لا يتساوى به...
وأنتِ من علَّمني المفارقة بين المفارقات...
لكنَّني عدتُ إلى صدى دعائكِ، فوجدتُكِ لاتزالين تجثين فوق هامة البوصلة،
وأنَّ نافذةً للمروق كي تخرج الكلمة، ويرتفع الصوت... قد أُشرعت...
صوتُ الألم يانوَّارة نُطاسيٌ...
صوتُ الألم يانوَّارة دواءٌ...
يا لعمري، كيف لا يُطبِّبُ الألمُ من به داءٌ؟!
حتى الإحساس تعتوره آلامٌ...
وألمُ الإحساس أبلغُ من ألم الجسم يانوَّارة...
وعند ركن أيكتكِ تعلَّمتُ ذات يوم الفرق بينهما...
فوق جبهتكِ رسمتِ لي خطوط المرور...
وعند زوايا عينيكِ كانت مشاعل الدروب...
هأنذا يانوَّارة أَلتقط قنديلكِ...، وأمضي...، كما قنديل «ديوجين»...
لكنَّه يأتي بعد أن تكدّست رتل الآلام جبالاً من الثلوج...
لن أعبثَ كالطفلة بها، لن أصنعَ دُميةً من الثلوج ألهو بها...
ذلك لأنَّ طفولتي التي بَصَمْتِ عليها بأبديَّة البقاء، لن تقوى على العبث بالآلام...
سأدعها يانوَّارة في دروب المارقين...
شارةً...
كي يتعرَّفوا الدروبَ التي تقيهم عثرات الألم...
ووحدي سأكرر ما قلتِ لي: «الكلام يعاد»، لكن يانوَّارة...؟؟؟
هل سيفعلون؟؟؟
و.... تلك لحظة تجلٍ حين تلتقي قطرات السحائب بقطرات المدِّ بين سماء البشر وبحورهم...
هناك سأقف كي أغتسل
بكِ...
وبكِ...
وحدكِ وليس غير...
سأفتح ذاكرتي...
|