جاء في سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه قابل وفوداً من خارج المدينة المنورة، ثم رآه الناس (المسلمون) يرشُّ الأرض بالماء، فسألوه عن سبب ذلك، فقال: «أخذتني نخوة حين قابلتُ الوفودَ، فأردت أن أكسرها».. وهذا الموقف شبيه بموقفه حينما أمر المؤذن بأن ينادي بالصلاة جامعة، فاجتمع المسلمون في المسجد فصعد رضي الله عنه على المنبر وقال: «يا معشر المسلمين إن عمر بن الخطاب الواقف أمامكم ما هو إلا راعي غنيمات في شعب من شعاب مكة»، ثم نزل وجلس على حصيرته، فأتاه ابنه عبدالله وقد سرج هَرْج ومرج بين المسلمين وسأله: ما الذي حدا بك إلى هذا القول أو إلى ذلك يا أمير المؤمنين؟ فقال له: «كنت جالساً وحدي فاستبدّ بي غرور الخلافة، فأردت تأديب نفسي أمام الناس».
*.. فعرض المصطلح أو العلم المعاصر على المصطلح أو العلم الأصيل، معناه أن ما اتفق من المعاصر مع الأصيل يمكن الأخذ به إذ لا تعارض بينهما حينئذ، وهنا يتحقق التواصل للفكر الإنساني الذي يمكن القول إنه حلقات متصلة بعضها بالبعض الآخر لا ينبغي أن تنفصل عن بعضها البعض فتحدث بينها الفجوات والخلخلة وتضيع الثوابت ومعها جميع الضوابط، فيتردّى الفكر ويفتقد صفة الالتزام بين القول والفعل، فلا يسمو بصاحبه إلى آفاق رحبة تستشرف قهر الشهوات التسلطية والامتلاكية والأنانية، ناهيك عن الاستطالة التي تعتبر لسان الجهالة بعينه.
إن موقف ثاني الخلفاء الراشدين يجدّد قيمة تربوية كبرى للقائم بالاستقبال أو الاتصال على حدّ سواء. فأخصّائيو العلاقات العامة حريون بتأمل هذا الموقف، لترويض أنفسهم وحملها على التواضع الممتزج بالتقوى، وذلك قبل التفكير بترويض الآخرين من باعث الشهوة العارمة للسيطرة وإذلالهم وتحقيرهم.. وهنا تكمن قيمة أخرى لهؤلاء الاخصائيين، هي «القدوة الحسنة»..
*، ولنا أن نتصور مدى الفجور الذي يلحق بهذه النفس والعياذ بالله لو أطلق الإنسان المسلم لها العنان!!
ونستطيع استنتاج كيف يلهم الإنسان المسلم التقوى في كل شأن من شؤونه، فأمير المؤمنين رضي الله عنه ملهم ولا شك بالتقوى التي صرفته عن التفكير في مصالحه الخاصة، فلم يمتلك أرضاً بشراء أو غيره، بل إنه أحسن إلى بيئة الأرض حيث عمل على تلطيف الهواء عن طريق الرشّ، فبالإضافة إلى المغزى التربوي في صنيعه هذا، فإن الاحسان إلى البيئة يتوّج ذلك المغزى الرائع، فلم يفسد أبوحفص رضي الله عنه الأرض بأن تاه ودخله غرور السلطة والخلافة، وهنا يمكن وضع النقاط على الحروف، حيث نجد الفكر الإسلامي المعاصر لابد وأن يُبنى على الفكر الإسلامي الأصيل، فتتولد من ذلك مفاهيم ثلاثة هي: الدبلوماسية، البيئة نتيجة التربية الذاتية.
والله ولي التوفيق..
|