Thursday 23rd october,2003 11347العدد الخميس 27 ,شعبان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

مؤتمر حقوق الإنسان ما له وما عليه مؤتمر حقوق الإنسان ما له وما عليه
د. فوزية عبدالله أبوخالد

أريد أولا أن أعبر عن التثمين الاجتماعي والفردي في مجتمعنا لخطوة عقد مؤتمر حقوق الانسان بالرياض لصاحب القرار. فهو من حيث المبدأ قرار نحب أن نقرؤه كخطوة من خطوات التطوير والإصلاح على غير ما يراه البعض من انه مجرد مؤتمر للدعاية الخارجية والاستهلاك المحلي. وبالتأسيس على هذا المنطلق رأيت أن أشارك بشيء من الرأي في الموضوع. وذلك انني وعدد من الكتاب والكاتبات من المنشغلين بالقضايا الاجتماعية والوطنية ومنها قضايا حقوق المواطن التي طالما شاركنا في طرحها من حقوق الطفل إلى حقوق المسن ومن حقوق المواطنة إلى حقوق الضمان الاجتماعي، نرى من واجبنا الشخصي والوطني أن نقرن التثمين بالرأي المؤازر لهذه الخطوة بما يوطنها في وسطنا الشعبي وفي مختلف المواقع الاجتماعية في البيت والشارع والعمل ويعمم الوعي بها ويوسع نطاق المستفيدين من إقرارها والعمل بها من الأطفال إلى النساء والرجال.
لقد كان وربما لايزال تناول موضوع حقوق الإنسان في بعض مجتمعات العالم الثالث حكراً على فئة من المعنيين بالشأن السياسي والقانوني مما أبعده احيانا عن المضامين الاجتماعية والاقتصادية والتربوية والعلمية والصحية التي هي جزء لا يتجزأ من منظومة الحقوق الإنسانية. ومما أدى إلى أدخاله أحيانا في دائرة المزايدات والاحتكار الفئوي لخطابه من قبل بعض النخب التي ربما استخدمته لاقرار حقوقها على حساب الحق العام أو وظفته لصالح ترويج أطروحتها السياسية لاقصاء الطروحات الأخرى. وإذا كان قد نتج عن هذا تنفير «الناس العاديين» إن جاز التعبير غير الدقيق من تلك الطروحات التي كثيرا ما يغلب عليها الانشائية والبعد عن القضايا الحقوقية المباشرة التي تهم الموطن فإن ذلك لا يعني بالمقابل تجريد حقوق الإنسان من بعدها السياسي ولكنه يدعو إلى البحث وطرح الأسئلة حول الكيفية التي تمكن المجتمعات من التعامل مع منظومة حقوق الإنسان في ابعادها المختلفة دون استبعاد جزء على حساب آخر.
أما بالنسبة لمجتمعنا فقد كان لتناول اطروحة الحقوق وجه آخر ايضا فقد ظل تناول وطرح حقوق الإنسان في مجتمعنا مسألة متروكة وفي حدود ضيقة لوعي الكتاب الفردي وتقدير رؤساء التحرير في فسح أوحجب ما يكتب عنها. ولم يكن ذلك قصرا على تناول مسألة الحقوق السياسية بل حتى في مجال تناول الحقوق اليومية الصغيرة للمواطنين. كما ان موضوع حقوق الإنسان ظل طرحه محفوفا ببعض المحاذير التي اتخذت صبغة دينية في اغلب الأحيان، وإن كان من المثير للاستغراب ان يروج هذا الطرح الأخير في مجتمع يعلم ان الإسلام إنما جاء بالعدل والمساواة واقرار الحقوق بغض النظر عن اللون أو النوع أو الحظوة الاجتماعية وما إليه من ذرائع تستخدم لإضاعة الحقوق أو التهاون فيها، فان ذلك يلفت النظر وبشدة إلى بعض من الإشكاليات العديدة التي تواجه تأصيل حقوق الإنسان في مجتمعنا وتعرقل محاولة التوعية بهذه الحقوق والعمل بها. ومن هذه الإشكاليات:
* التوجه الدفاعي الذي يتسم في بطبيعته بالعاطفية والتوتر فتتقدم فيه لغة الخطابة والإطناب على حساب المراجعة الموضوعية. وهذا المنحى الدفاعي يعرقل عملية التأصيل المعرفي والبحث العقلاني لمسألة حقوق الإنسان من منطلق الثوابت الدينية وفي ضوء مقتضيات ومستجدات العصر الاجتماعية والعلمية والثقافية.
* الاعتداد العاجز بالذات دون تجسير القطيعة التاريخية بين منجزات الماضي وعجز الحاضر. فسبقنا التاريخي في مجال إقرار حقوق الإنسان لم يقترن إلى هذه اللحظة من تاريخنا المعاصر بالتطوير والتفعيل. وقد يكون هذا الاعتداد ما لم تخلق له شواهد مادية شهادة ضدنا وليس لنا إذا نحن اكتفينا من منظومة حقوق الإنسان التي شرعها الإسلام بتعدادها في المناسبات ولم يكن لدينا أي خطة إستراتيجية أو قصيرة المدى للتعريف والعمل بها وللحوار مع الآخرين بمشتركاتها معهم واضافاتها على ما لديهم.
* والإشكاليتان الأولى والثانية تفضي إلى إشكالية ثالثة من إشكاليات حقوق الإنسان سواء على مستوى التنظير أو التطبيق وتكشف عن طبيعة التعقيد في مجمل الموضوع. فليس الاعتداد العاجز مجرد خلل سلوكي أو موقفي عند أصحابه وكذلك الموقف الدفاعي إنما المسألة ترتبط بخطاب اجتماعي لايزال مترددا ان لن يكن ممانعا لمواجهة المستجدات والتغيرات بما تحتاجه من مراجعة تأصل المفاهيم وتعرفها وتجعلها في متناول الجميع وتحررها من الاحتكار لرؤية احادية غير مجددة أو غاير قادرة على التجديد ان لم تكن غير راغبة فيه.
* ويعبر ارتفاع صيحات الذعر من الغزو الثقافي كلما ارتفع مد العولمة وكذلك صيحات الحماسة غير المعقلنة لالتفاف ذلك المد حول أعناقنا على التباين الظاهر بين الموقفين عن شكل آخر من الإشكاليات المتعالقة مع حقوق الإنسان بمجتمعنا والمعرقلة لها. فهما ليسا تعبيرا عن تعددية تحاورية وتنوع ايجابي في التشكيل الاجتماعي والرأي العام وإنما تجسيد لموقف حدي لا يقوم إلا على محو الأطياف الواقعة بين كل منهما. فبين ان نتنازل عن الجانب الحي من الموروث الثقافي أو نتراجع لا سمح الله عن التمسك بتعاليم الدين الحنيف (وهو أمر مرفوض جملة وتفصيلا) وبين أن نتشبث بالجامد والآسن من منتج تراثي بشري ربما كان غاية في الحيوية والفاعلية في عصره فجوة مريعة لا يمكن الارتهان لأي منهما في تشكيل الخيارات.
* موقف الاستخفاف الذي يصل أحيانا إلى حد التشكيك بحقوق الإنسان كما توصل إليها المجتمع الدولي دون أي تثمين للمشتركات التي يمكن ان تكون نقطة التقاء للتحاور مع الآخر وللإضافة على اطروحاته الحقوقية بما تميز به ديننا في هذا المجال. لنكون مساهمين في تأصيل الحقوق العالمية للإنسان وليس مجرد منتقدين أو منقادين، وللاستفادة مما سبقنا إليه في تجارب وآليات التطبيق. وخطورة هذه الإشكالية بالذات في مسألة التوعية بحقوق الإنسان أنها تخلق وعيا معاديا للحقوق خاصة بين الشباب الصغار وهذا ما لا تريده المجتمعات التي تريد مستقبلا لأجيالها الجديدة أفضل من حاضرها.
* التشبث بمقولة «خصوصيتنا» من منطلق يكاد يكون شوفانيا انغلاقيا في بعض الأحيان. وهذه الإشكالية في مسألة حقوق الإنسان تضعف موقفنا في التوجه العالمي الجديد الرامي إلى الإقرار بنسبية الخصوصيات المجتمعية ضد الشمولية التي تلغي الآخر أو تجرده من المقومات الحضارية. وقد يؤدي بنا ذلك إلى الإنغلاق في حيزي الزمان والمكان بعيدا عن مجرى المستجدات والقدرة على التطور والتطوير والتأثير.
* تحاشى الخوض في الأمثلة والتفاصيل اليومية للقضايا الحقوقية التي تخص مجتمعنا من حقوق الطفولة إلى حقوق العمالة ومن أبسط الحقوق المدنية إلى الحقوق السياسية والاستعاضة عن ذلك بالتناول الفضفاض لتلك القضايا في إطارها العربي أو العالم ثالثي العام. وهذا التوجه يكاد يكون موجة عامة يركبها معظم من يناط بهم أو يتطوعون لتناول المسائل الحقوقية من المهتمين أو الدارسين.. وهذه الإشكالية من الخطورة بمكان كبير إذ لا ينتج عنها فقط إضعاف الوعي الاجتماعي بالحقوق في بعدها المحلي كمطلب وطني ولكن ينتج عنها ايضا تجهيل المجتمع بمن فيهم أصحاب القرار بالجانب الحقوقي ومتطلباته وأوجه القصور فيه أو الاكتمال كما هو على أرض الواقع. هذا إلى جانب خلق توجه عام بالانفضاض عن الطروحات المتعلقة بالحقوق طالما انها لا تمثل الناس ولا تمثل إشكاليتهم الحقوقية في واقعها القائم كما لا تمثل إلا آلاما واحلاما مستعارة.
على أن عليَّ الاعتراف ان ما اثار شجن معظم تلك الإشكاليات في ذهني هو الكيفية التي دار بها مؤتمر حقوق الإنسان المنعقد على أرض الرياض لأول مرة الأسبوع الماضي والطروحات التي تم تناولها على منبره. ولا يقلل من أهمية المبادرة للمؤتمر ان يكون هناك ما نتعلمه من التجربة إذا كنا جادين فيها وعازمين على تكرارها بشكل افضل ولا نريد ان تكون تجربة يتيمة. وفي هذا اكتفى بالإشارة إلى اقتراح واحد محدد يستمد من حقيقة ان مهمة الخوض في حقوق الإنسان في مجتمعنا مهمة ليست سهلة وهي تهم قطاعات عريضة من المجتمع وعلى هذا فالاقتراح هو ان لا يترك امر تبني الائتمار فيها على عاتق جهة واحدة. فجمعية الهلال الأحمر وإن اجتهدت مشكورة في الإعداد للمؤتمر بمساندة وزارة الداخلية فإن الأولى توسيع دائرة المشاركة سواء على مستوى التكوينات والجمعيات الأهلية أو الجهات الرسمية ذات الصلة بمسائل الحقوق كوزارة العدل والعمل والشئون الاجتماعية في الإعداد لمثل هذا المؤتمر أو في تحمل مسؤوليته ومسؤوليات ما يؤمل ان يخرج به من توصيات تكون أكثر تفاعلا مع القضايا الحقوقية بمجتمعنا . وغني عن القول كما يقال ان نختم بالقول ان المسألة الحقوقية مسألة تحتاج إلى أكثر من المؤتمرات لمواجهة تحدياتها وتحويلها من حلم إلى ملح وطحين لخبز حياتنا اليومي وهو ما أثق بأن قيادتنا تسعى إليه. هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved