منذ أن جعل اللَّه هذه البلاد مصدر دين اللَّه في الأرض، وختم بها الرسالات وهي محطُّ الأنظار...، ومجال البحث والدراسات، وإقامة المقارنات...
ومنذ كُنَّا صغاراً وزوَّار هذه البلاد من ذوي العيون الملوَّنة، والألسنة المعجَّمة وهم يتقاطرون على مرافق، ومنافذ هذه البلاد، وكثيراً ما كنَّا نُستدعى من قِبل إدارة المدرسة لكي نقابل من الشخصيَّات ما تتخيَّل الإدارة أنَّهم عنَّا سيرون «صورة» و«واقع» و«استشراف» دور المرأة في هذه البلاد...، وكبرنا، وتعلَّمنا، وحصلنا على الدرجات ووقفنا في المنصَّات، وأتقنَّا اللُّغات، وذهبنا إليهم في عقر دارهم نحدِّثهم، ونتفاهم معهم بلغاتهم، وليس بلغتنا، وهم لا يفقهون شيئاً عنَّا، سوى أنَّنا نعيش في الصحراء، وبيوتنا بنوك أموال!!
صورة متسطِّحة تنمُّ عن جهل أولئك الأقوام الذين ننبهر بألوان عيونهم وبشراتهم، ونضعف أمام اعوجاج ألسنتهم، ونقف مهابةً واحتراماً لشعار جنسيَّاتهم...!! فأين منَّا أنفسنا؟! أين منَّا تأريخنا وعراقتنا، وأصولنا، بل إسلاميَّتنا؟ بل خيرة ربِّ العالمين فينا، إذ أخرجنا من خير أمةٍ من البشر، وجعلنا شعوباً وقبائل، وفارق بيننا في مقام التَّقوى، لا مقام اللَّون، والعِرق، واللُّغة؟
أستعيد هذا وقد توافدت في هذا الخضمِّ من الأحداث أقدام لا ندري كُنه نوايا القلوب التي في صدور أصحابها، والقوم هنا للأسف يتهافتون عليها دون رويَّة، كلٌّ يسعى لأن يُدلي بدلوه؟
باللَّه كيف تقف امرأة منَّا لها باع التجربة الطويلة في العلم، والعمل، أمام صحفيَّة أجنبيَّة لا تملك ثقل تجربتها، ولا تحمل شعار تفوُّقها، في الحياة كي تؤكد لهذه الأجنبيَّة أنَّها «متعلِّمة»، و«موظَّفة»، وذات دور؟!
لماذا، ومَن تكون هذه التي تجعل المرأة في مجتمعنا تذوب في داخلها مشاعر التقييم لذاتها كي تقيِّمها إشارةٌ في صحيفة أجنبيَّة؟
هل بلغ بنا الشعور بالحاجة إليهم إلى مثل هذا المستوى؟...
أمَّا من يشاء من سوانا دراسة تأريخيَّة، أو وقوفاً على خبرات واقعيَّة، أو مدَّ جسرٍ تعاونيٍّ فكريٍّ، وأدبيٍّ، وعلميٍّ، بيننا وبينهم، فلذلك منحاه ودروبه الواضحة التي لا تأتي عن وسائل إعلاميَّة تجعل من هذه البلاد ، والمرأة فيها محور، استكشافاً لإزالة غبارٍ وهميّ، يضعونه فوق عيونهم من أجل أغراض لا تزال غير غامضة لنا. فهناك فرقٌ بين البحث الجادّ لتبادل الخبرات وتواصلها وبين الافتعال الإعلاميّ.
فليت من محاولة جادّة من قِبل النساء والرجال لإعطاء كلِّ ذي قدر قدره، ولكلِّ ذي هدفٍ تسديدَ هدفه، بوعيٍّ من المفترض أن يكون أوَّل منافذ مواجهة هذه الحمَّى الإعلامية المفتعلة من قِبل الأجانب ووسائل إعلامهم صوب هذه البلاد، والمرأة فيها على وجه التحديد.
لذلك اعذروني إن اعتذرت دوماً عن ملاقاتهم.
فهم لايزالون يكرِّرون أسئلة ما قبل ربع قرن من الزَّمان!!،
ولنا أن ننظر بفرح إلى مسيرة المرأة هنا خلال هذه المدَّة من الزمن وما حققته من نموٍّ وخبرات، لا تزال ألوف منهنَّ ومنهم في بلادهم لم يحلموا بها، ولم يحققوها في بلادهم.
|