الزلازل والنوازل ظاهرتان متشابهتان رغم حقيقة كون الأولى ظاهرة طبيعية والأخرى من صنع البشر.
وإضافة إلى ما بينهما من تناغم لغوي هناك بينهما أيضا عدد من القواسم المشتركة الأخرى، فللزلازل ضحايا من البشر مثلما أن للنوازل ضحايا أيضا، بل إن أمر تشابههما يتجاوز أرواح البشر إلى ماديات الحياة وذلك حين نتذكر أنه مثلما تدمر الزلازل البيئة والعمران والممتلكات تحدث النوازل مثل ذلك أو أسوأ منه، أما حين نأخذ بالحسبان آثارها النفسية فهذه شقيقة تلك فيما يحدثانه في النفوس من ترويع ورعب وهلع وخوف وخلافها.
وإن يكن للزلازل ارتدادات فللنوازل (ردات).. وأقصد بارتدادت الزلازل ما يتلو حدوثها من هزات أرضية قصيرة مدمرة تعرف بالارتدادات الانعكاسية أو بتوابع الزلازل: After Shocks. وبالقياس فالنوازل البشرية تنجم في الغالب عن ردات أفعال متشنجة.. متصدعة وأبعد ما تكون عن الواقع، لذا فإن يكن بمقدور الزلازل تخريب الأرض فلدى النوازل القدرة على إشاعة الفساد فيها، بل إن الظاهرتين يتشابهان أيضاً فيما يتعين فعله بعد حدوثهما، فالزلال تؤثر في سطح وأعماق الأراضين كما تؤثر الزلازل في أجساد وأعماق البشر، إذن فلكليهما (صدمة) نفسية/ أرضية توجب المبادرة للتعامل مع تبعاتهما بما يجب من سرعة وجاهزية وإصرار. واليكم بتشابه آخر وهذا يتمثل في تشابههما في حقيقة ان استحالة منع وقوعهما لا تعني أبدا انتفاء خيار القدرة على التقليل من آثارهما بعد الوقوع، فالمناطق الواقعة على أحزمة نارية زلزالية كما هو معلوم غالبا ما يلجأ سكانها إلى البناء في المناطق المرتفعة تحاشيا للاستقرار في الأماكن المنخفضة كما أنهم غالبا ما يجعلون مساكنهم آمنة بتصنيعها من مواد خاصة بطريقة تخفف من آثار الزلازل، علاوة على إن هناك (تأمينا ماليا) يفرض في الغالب على سكان مثل هذه المناطق وذلك لهدف تعويضهم في حال حدوث أي دمار لمساكنهم وممتلكاتهم، ومثلما أن ارتفاع الانسان بسكنه في المناطق الفاعلة زلزاليا يفيد في أمر التقليل من مخاطر الزلازل عليه فالارتفاع بالبشر فكريا وإعلاء وعيهم وتعزيز قيمهم تربويا.. كل ذلك أيضاً كفيل بالتقليل من حدوث النوازل عليهم.
ويتجلى التشابه بين هاتين الظاهرتين فيما محوره مضامين القول «رب ضارة نافعة»: فمن الزلازل تتفجر خدود الأرض وتنبع ينابيعها وتمتد خضرتها وتغرد أطيارها وتسعد حيواناتها، كذلك يسعد بذلك بشرها حين تتشكل الطبيعة وتعيد صياغة هيئتها وتتمكيج نضارتها لتصبح منطقة الزلازل في هذه الحالة منطقة جذابة سياحيا ومصدراً من مصادر الدخل القومي. وبالمقارنة فللنوازل رغم بشاعتها ايجابيات أيضا حيث غالبا ما توحد الجهود المشتتة، وترفع من معدلات حب الوطن والتضامن الاجتماعي وتؤلف القلوب المتنافرة وتزيل أسباب البغضاء وتذيب الفردية لصالح المجموع كما أنها تستنهض الهمم لإعادة صياغة تعريف حقائق الواقع بطريقة أكثر ايجابية ووفقاً لأولويات الأولى وأهميات الأهم والبدء بما يجب البدء به..
ختاما وقانا الله وإياكم شرور الزلازل وأشرار النوازل..
|