دفق قلم
العلاج بالغذاء المنظَّم
عبدالرحمن صالح العشماوي

لقد كثر الحديث هذه الأيام عن الطب البديل، والعلاج بالطاقة، وكثرت التفاصيل المملَّة عن الأعشاب وأنواعها، والزهور وأصنافها، وما لها جميعاً من دور في علاج كثير من الأمراض، وإنقاذ الناس من العلاج الطبي السائد الذي تسيطر عليه مجموعة من شركات الأدوية ذات التسلُّط والسيادة الاقتصادية العالمية. وكثرت اللقاءات عبر وسائل الإعلام المختلفة مع أصحاب التجارب في مجال الأعشاب والغذاء، والطاقة البشرية وغيرها، حتى أصبح الإنسان حائراً بين أصحاب الآراء المتضاربة في هذا المجال المهم في حياة البشر، ومن الأدلَّة على هذا التوسع والانتشار في هذه الجوانب كثرة تناقل الناس لأخبارها، وانشغالهم بالحديث عنها في مجالسهم العامة، والخاصة، حتى يخيل إليك - أحياناً - أنك تجلس مع متخصصين في مجالات الطب البديل والأعشاب، وطب الغذاء، مع أنك تعرفهم معرفة يقينية وتعلم أنهم بعيدون كل البعد عن هذا المجال المهم.
لقد أصبح الحوار حول فوائد الشاي الأخضر، والأحمر، والريحان، والنعنان، والشيح، والشعير، والقمح، والحبة السوداء، والحلبة... الخ حواراً مفتوحاً للجميع، مباحاً لمن يعرف ومن لا يعرف، وأصبحت تجارب الناس في هذا المجال كثيرة، مما سبَّب أضراراً صحية لبعضهم، ومضاعفات تصل إلى درجة الخطورة عند بعضهم.في هذا الخضمِّ المائج من الأحاديث الطبية والحوارات التي لا تكاد تنقطع عن الغذاء والدواء، التقيت به في مجلس خاصٍ لقاءً هادئاً كنا نحن الحضور فيه المنصتين وهو المتحدِّث. إنه د. جميل قدسي، شاب سوري متخصص في الطب العام، وهو طبيب ناجحٌ في مجاله، اتجه منذ أربع سنوات إلى دراسة الطب البديل، والعلاج بتنظيم الغذاء، وانصرف إلى هذه الدراسة بعقله وقلبه، وعُني بها أشدَّ العناية، وتنقل من أجلها - حسب قوله - إلى دولٍ متعددة في الشرق والغرب، ووصل إلى عددٍ من النتائج الطبية المهمَّة، التي يمكن أن نطلق عليها صفة «مذهلة»، وجمع لهذا الموضوع مادةً علمية كبيرة، كتباً، وأقلاماً، وصوراً وتقارير طبية ذات أهمية كبيرة في هذا المجال، والذي يميز رحلة د. جميل الطبية انه قد ربطها بالإسلام رَبْطاً علمياً قوياً، فاتجه إلى دراسة ما ورد في القرآن الكريم، وفي أحاديث سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام من إشارات إلى الطعام، وأصناف الأكل، ومسمّياته وبدأ يتأمَّل كل آية، ويقف عند كل حديث دراسة وتمحيصاً ورجوعاً إلى كتب التفسير والسيرة، حتى وضع جدولاً غذائياً متكاملاً من خلال القرآن والسنة، وأجرى عليه عدداً من التجارب الطبية مع عددٍ من المرضى في أكثر من بلد عربي وغير عربي، وبالرغم من أن «جدوله الإحصائي» قائم على ما يمكن أن نسمِّيه «الإحصاء العددي لأنواع الغذاء في القرآن الكريم والسنة المطهرة»، وهو من المآخذ التي أخذها عليه بعض الاخوة الذين كانوا حاضرين، مؤكدين له أن قضية «الإعجاز العددي» في القرآن الكريم قد أُثيرت أكثر من مرة، وظهر فيها بعض جوانب النقص مما قد يحدث هزَّة في نفوس المتابعين لها نحوبعض آيات القرآن الكريم، أقول: بالرغم من ذلك الجدول الإحصائي العددي الذي وضعه د. جميل، إلا أن تجربته العلمية جديرة بالاهتمام، خاصة أنها في مجال طبي علمي، يمكن أن نسجِّل به سبقاً علمياً مربوطاً بتوجيهات الدين الإسلامي في هذا المجال، مع أهمية التأني في موضوع الإحصاء العددي المتعلِّق بالقرآن الكريم. فالدكتور جمع الآيات التي ورد فيها الفعل «أكل ومشتقاته»، و«طعم» ومشتقاته، وأسماء بعض الأغذية والأعشاب من لحوم وخضروات وغيرها، ثم ربط بين الأعداد وبين التجارب العلمية الطبية التي أجراها، ووصل إلى نظام غذائي مثالي ينفع الجسم نفعاً كبيراً، ويعالج - بإذن الله - كثيراً من الأمراض الباطنية المتعلقة بالمعدة والكبد، والطحال، والرِّئة والقلب، والقولون وغيرها. إن الذي يميز تجربة الدكتور جميل قدسي، ما يبدو فيها من التأني والهدوء، والدراسة العلمية العميقة، بعيداً عن الاستعجال الذي وقع فيه الكثيرون، وهو مع ذلك يستمع إلى الآراء المعارضة، ويتقبَّل التوجيه والنصيحة، وهذه صفات مهمة لنجاح كثير من الأعمال العلمية المهمة، ندعو للدكتور بالتوفيق في تجاربه التي قد تنتج للمسلمين سبقاً علمياً متميزاً.
* إشارة :