Tuesday 21st october,2003 11345العدد الثلاثاء 25 ,شعبان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

مفارقُ الطُّرق مفارقُ الطُّرق
أنور عبدالمجيد الجبرتي

الشاعر الأمريكي الكبير «روبرت فروست»، كتب قصيدة شهيرة عنوانها: الطريق الذي لم أَسْلُكهُ. وهي قصيدة جميلة، عميقة، تحدثنا عن مفارق الطُرق، في حياتنا الخاصة، والعامة، والاختيارات التي ننتقيها، والقرارات التي نتخذها. وهي تحدثنا ايضا عن التساؤل الكبير بشأن الطرقات التي لم نسلكها والاختيارات التي لم ننتقها والقرارات التي لم نتخذها.
* سأختصر لكم القصيدة وانتقي لكم منها. يقول «روبرت فروست»:
* كان هناك طريقان، افْتَرقنا.. نحو.. الغابة.. الصفراء، وللأسف فإنني لن أتمكن.. من السير فيهما.. معاً.
* ولأنني.. كنتُ مسافراً وحيداً.. فلقد.. توقفتُ .. طويلاً، ونظرت في احد الطريقين إلى أبعد ما يستطيع النظر.
* ثم .. قررتُ.. أن أسلك الطريق.. الآخر، لانها كانت اكثر عشباً.. وخضرةً.. ولا يبدو انها قد سلكها آخرون.
أما.. الطريق الثاني التي لم أَخْترْها فقد احتفظتُ بها ليوم آخر.
ولكن، لانني اعرف كيف تأخذنا .. الطرقات.. بعيداً.. بعيداً، فإنني أشك في أنني يوماً سأعود اليها.
* سأقول - الذي اقولُ.. بتنهيدة عميقة.. وفي مكان ما وبعد أزْمنة.. وأزمنة:
طريقانِ.. افْترقَا.. إلى الغَابَة.
ولَقْد.. اختْرتُ.. مِنْهما.. طريقاً.. لم يسْلُكْها.. قَبْلي.. إلاَّ قليلٌ؛ وقد حَسَم.. ذلك الاختيارُ.. الأمْرَ كُلَّه.
***
* مفارق.. الطرق.. تحكي مشوار حياتنا كله. وليست حياتنا في لحظتنا .. هذه.. إلاَّ جَرْدٌ وحاصلُ جمع.. لمفارق.. الطرق التي وقفنا عندها، ثم اخترنا منها طريقاً.. مشيناها وتحملنا عواقب السير فيها، ثم اذ هي تأخذنا دائما الى مفارق طرق جديدة، وهكذا.
* ونتوقف قليلاً لنستريح على ارصفة الشوارع التي اخترنا سلوكها، وجوانب الطرقات التي قررنا السير فيها لنراجع انفسنا متسائلين : ماذا لو اخترنا الطريق الآخر؟
* نخدع انفسنا، احيانا - عند مفارق الطُرق، ونودُّ ان نسلك الطريقين .. معاً. ونخدع أنفسنا، اكثر عندما نتوقف .. كثيراً وطويلاً، عند مفارق الطرق مُترددين أيُّ الطريقين نأخذ لاننا نظن ان الزمن كفيل بتسوية المسألة وجعل الطريقين طريقاً واحداً، فيعفينا ذلك من مسؤولية الاختيار ويريحنا من تبعات الخطأ في الاختيار والتأسُّف على عدم اختيار الطريق الآخر.
* لكن الزمن «دَرَاكْتور» عجيب، و«شِيوَلْ».. حثيث، والانتظار معه عند مفارق الطرق مغامرة خطيرة لانه لا يكف عن حفر تحويلات جديدة تعقد عملية الاختيار وتثير الغبار عند مفارق الطرق، فتعمى علينا «اللافتات» والاشارات وتتعكر الاجواء فتضيع علينا معالم الطرق وقد نفقد حتى امكانية الاختيار.
* نستشير ونشاور ولا يندم من استشاروا ونستخير الله في امرنا كله قبل ذلك وبعده، ولا يخيب من استخار.
* نسأل الله من فضله العظيم فانه يعلم ولا نعلم ويقدر ولا نقدر، ثم نعقد العزم، ونتوكل على الله ونختار الطريق، ولا نمكث طويلاً عند مفارق الطرقات، ولا نخدع انفسنا، بأن في امكاننا سلوك الطرق جميعها في وقت واحد، او اننا نستطيع ان نأكل الفطيرة ونحتفظ بها في آن.
* سننظر .. يوماً.. الى الوراء ونسحب تنهيدة عميقة، ونقول لأبنائنا واحفادنا اننا قد وقفنا، منذ زمن بعيد عند مفترق طريق، واخترنا طريقاً ومشينا فيها، عازمين ومتوكلين على الله، وقد حسَم ذلك الاختيارُ الامرَ كلَّه.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved